الحصانة النيابية .. كيف نمنع استغلالها ونعززها للعمل الرقابي 
البرلمان العراقي

ثلاث مئة وتسعة وعشرون نائبا، هم أعضاء مجلس النواب العراقي في دورته الخامسة. هؤلاء النواب ينتخبهم المواطن ليمثل مصالحه ويعبر عن آرائه ويحمي حقوقه، وأيضا يراقب أداء الحكومة، تحت قبة البرلمان، أعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلاد.  

فضلاً عن واجبات النواب في الرقابة والتشريع والمساءلة، فإن لهم حقوقاً أيضاً حفظها الدستور العراقي والنظام الداخلي للبرلمان، سيما الحصانه النيابية، التي تقول المحكمة الاتحادية إنها مجموعة من الامتيازات التي تضمن للنائب حرية القيام بمهامه، وحمايته من الملاحقة القانونية، أو تقييده عند التعبير عن آرائه وأفكاره المتعلقة بأعمال مجلس النواب. 

تنص المادة 63 من الدستور العراقي، والمادة 20 من النظام الداخلي لمجلس النواب، على أن النائب يتمتع "بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك .ولا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي، إلا إذا كان مُتهماً بجناية، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو إذا ضُبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية .ولا يجوز أيضاً إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان مُتهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، أو إذا ضُبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية ". 

المحكمة الاتحادية قسمت الحصانة البرلمانية إلى نوعين، "حصانة موضوعية" تتعلق بعدم مسؤولية أعضاء البرلمان عن الأقوال أو الأفعال أو الآراء أثناء ممارستهم مهامهم النيابية، و"حصانة إجرائية" تتعلق بعدم جواز اتخاذ إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان، في غير حالة التلبس بالجريمة، إلاّ بعد إذن المجلس التابع له. 

ولذلك فإن "انعدام المسؤولية البرلمانية (الحصانة) هو امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفاتهم لا بأشخاصهم، سواء كانوا منتخبين أو معينين بمناسبة قيامهم بواجباتهم البرلمانية، التي تتطلب حرية التعبير عن الرأي والانتقاد دون أدنى مسؤولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك". 

لكن ما هو مصير الحصانة في حال تورط أحد اعضاء مجلس النواب بجنحة أو جناية أو مخالفة قانونية؟  النائب السابق، القاضي وائل عبد اللطيف، يقول لـ"سوا" إن الجرائم في قانون العقوبات العراقي تقسم إلى 3 أنواع، مخالفة وجنحة وجناية، وإن الحصانة البرلمانية تشمل فقط جريمة الجناية.

 أما آراء المواطنين فقد تباينت حول أداء النائب والحقوق التي يتمتع بها، فالبعض يشير إلى أن نواباً استغلوا هذه الحصانة للتهجم مثلاً على الصحفيين والناشطين، وتصفية الحسابات الشخصية والسياسية. وآخرون أكدوا أن الحصانة سلاح ذو حدين، فهي تحمي النائب الذي يقوم بدوره الرقابي من أي تبعات، أو يمكن استغلالها لأهداف حزبية. 

 

استغلال الحصانة "للتجاوز والفساد" 

الحصانة ليست درعاً يحمي النائب لتفادي المساءلة، ويقول الخبير القانوني، أمير الدعمي، لـ"سوا" إن بعض أعضاء مجلس النواب حولوا هذه الحصانة إلى أداة للتجاوز والفساد، بعد أن اقتصرت الملاحقة على الجرائم الجنائية فقط، لتتحول هذه الحصانة إلى أداة للابتزاز والمساومة السياسية، ولم تحقق الغاية منها وهي حماية النائب وتعزيز دوره الرقابي، لتقويم عمل الحكومة والتعبير عن رأيه السياسي دون مخاوف. 

 الدعمي يشير إلى أن ضمان بعض النواب لمبدأ حصانتهم من الملاحقة، شجعهم على عدم اتباع الطرق القانونية خلال أداء مهامهم الرقابية، واستغلوا مثلاً منصات التواصل الاجتماعي لنشر معلومات غير دقيقة، واتهام جهات بالفساد دون وجود أدلة تثبت ذلك، لتتحول هذه الميزة إلى أداة للابتزاز السياسي وتتحول إلى ظاهرة بدأت تنتشر في العراق. 

مجلس القضاء الأعلى أصدر لاحقاً، توضيحاً أشار إلى أن الحصانة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب، تقتصر في حال اتهامه بجريمة ذات طابع جنائي، مؤكداً، أن جرائم الجنح والمخالفات لا تتطلب رفع الحصانة، وهذا القرار أصدرته المحكمة الاتحادية عام 2019. ورغم امتعاضه من تدخل السلطات، إلا أن الخبير القانوني، أمير الدعمي، يرى أن القرار سيمنع استغلال البعض للحصانة النيابية. 

 

تراجع في أداء أعضاء البرلمان  

في آذار مارس من العام الحالي، حُكم بحبس النائب، هادي السلامي، بسبب دعوى من وزارة التجارة وديوان الرقابة المالية، في أعقاب مطالباته بإعفاء ومحاسبة وزير التجارة، أثير الغريري، إثر مزاعم فساد. أثارت قضية النائب هادي السلامي ضجة، وسلطت الضوء على أهمية دور النائب في الرقابة، وأيضاً عدم استغلال هذه الحصانة لتحقيق مكاسب.  

قضية النائب، هادي السلامي، ليست الأولى، ففي ديسمبر من عام 2019، رُفعت الحصانة عن النائب، محمود ملا طلال ، بعد صدور حكم قضائي بسجنه 6 سنوات بتهمة تلقي رشوة، وفي سبتمبر من ذات العام، رفع مجلس النواب العراقي الحصانة عن النائب، فائق الشيخ علي، بتهمة القذف والتشهير. 

 ألغت المحكمة الاتحادية العراقية عام 2022 عضوية النائب، مشعان الجبوري، بسبب تزوير شهادة التحصيل الدراسي. وفي عام 2023 أنهت المحكمة الاتحادية عضوية رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، بناء على دعوى "تزوير" تقدم بها النائب، ليث الدليمي، الذي أنهت المحكمة عضويته أيضاً. 

 المختص في قضايا مكافحة الفساد، سعيد ياسين، يرى أن ثقافة مقاضاة النائب رغم الحصانة التي يتمتع بها، هي تهديد لدوره الرقابي. ويشير ياسين إلى أن المطالبات بملاحقة النواب قضائياً، دليل أيضاً على استغلال بعض الجهات لنفوذها، لمنع أعضاء البرلمان من القيام بدورهم الرقابي، في الكشف عن حالات الفساد والتقصير في الآداء الحكومي. 

وفي خضم الاتهامات المتبادلة بين النواب والجهات الرسمية، يعبر العديد من المواطنين عن عدم ثقتهم بوعود النائب، ويرون أن دوره تراجع في التشريع والرقابة، وهنا نتساءل عن أسباب تراجع هذا الأداء، واستغلال بعض النواب الحصانة التي يتمتعون بها. 

 النائب السابق، القاضي وائل عبد اللطيف، يعزو ذلك إلى عدة أسباب أبرزها التقييد في عمل مجلس النواب في تشريع القوانين، إذ أن عمله يقتصر على المناقشة والتصويت على مقترحات قوانين تطرحها الحكومة، وليس له دور في إعداد هذه قوانين. القوى السياسية تستغل أيضاً ممثليها في مجلس النواب، وحولتهم إلى أداة لتعطيل عمل السلطة التشريعية لخدمة مصالحها والضغط على الجهات الحكومية.

 ويضيف عبد اللطيف، أن هذه المشاكل مثلاً جعلت مجلس النواب الحالي، الأسوأ، مقارنة بالدورات التشريعية السابقة، بسبب الصراعات السياسية والتأخير المستمر في عملها، بعد إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.  

 

تعديل النظام الداخلي.. مطلب لتعزيز عمل النواب

 بين هذا وذاك، فإن الفصل بين السلطات ومنع استغلال الحصانة، يجري في العراق، وفق الأهواء السياسية وليس وفق العمل القانوني والقضائي. فكيف نضمن منع استغلال الحصانة، وكيف يمكن أن نحولها إلى أداة حقيقية لتعزيز دور النواب في التشريع والرقابة.

 الخبير القانوني، أمير الدعمي، يشدد على ضرورة تضمين بند جديد في النظام الداخلي للبرلمان، يمنع النواب مثلا من استغلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، للحديث عن مواضيع سياسية تخص عمل جهات رسمية، تشوبها شبهات فساد، دون العودة أولاً إلى مجلس النواب للتأكد من صحة المعلومات واتخاذ القرار اللازم. أما المختص في قضايا مكافحة الفساد، سعيد ياسين، فيشدد على ضرورة تأكد النواب من صحة الأدلة المتوفره لديهم، قبل المطالبة باستجواب المسؤولين او محاسبتهم. 

 تقول المحكمة الاتحادية إن غياب آليات واضحة في الدستور العراقي والنظام الداخلي لمجلس النواب،  لتحريك الإجراءات الجنائية بحق العضو المرتكب لجرائم جنائية، يخرق مبدأ المساءلة والمحاسبة، لأنه يعطل تحريك الإجراءات بحق العضو، ويسمح بالتهرب من قبضة العدالة والمساس بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، "فتتحول مؤسسة البرلمان من مؤسسة معنية بمكافحة الفساد إلى مؤسسة داعمة للفساد". 

وأوضحت المحكمة أن التجربة الناتجة عن تحليل بنية المؤسسات، أثبتت بأن المؤسسة تكون عرضة للفساد عندما يتمتع المسؤول بامتياز إحتكاري في مواجهة القانون أو المواطن، وعندما يتمتع بصلاحيات واسعة تتيح له حرية التصرف، وعندما يمارس أنشطة تتعذر مراقبتها، الأمر الذي يستوجب ضرورات تقييد احتكار سلطة المسؤول وامتيازاته والحد من صلاحياته كخطوة أولى على طريق محاربة الفساد.

 لذا فإن رفع الحصانة الإجرائية يحتاج إلى تنظيم دقيق في النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، لضمان مبدأ الشفافية والمساءلة للأعضاء في حال ارتكابهم جرائم جنائية، وهذا يتطلب وجود لجنة داخل البرلمان تتولى دراسة جدية الطلب وأهميته والباعث على تحريك الإجراءات الجنائية، حتى لا تكون الحصانة الإجرائية دافعاً لارتكاب الجرائم والتهرب من العقوبات، عن طريق مغادرة البلاد قبل انتهاء الدورة التشريعية. 

المزيد

البنتاغون يوافق على تقديم دعم لجهاز الخدمة السرية خلال الانتخابات الأميركية
جهاز الخدمة السرية تعرض لانتقادات واسعة بعد أن تقاعس في إفشال محاولة اغتيال ترامب في يوليو الماضي

قالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، الخميس، إن الوزير لويد أوستن وافق على طلب لتزويد جهاز الخدمة السرية بقدرات دعم عسكري إضافية، تخصص للمرشحين لمنصب الرئيس ونائبه خلال الانتخابات المقبلة.

ولم تذكر سابرينا سينغ، المتحدثة باسم البنتاغون، تفاصيل عن نوع الدعم الذي سيُقدم، لكنها قالت إن أوستن وجه القيادة الشمالية الأميركية بالتخطيط للدعم وتقدميه لجهاز الخدمة السرية في العديد من المواقع خلال الانتخابات.

وتعرض جهاز الخدمة السرية لانتقادات واسعة بعد أن تقاعس في إفشال محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة، دونالد ترامب، خلال إلقائه كلمة في تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا، في يوليو الماضي.