قصص

"أطعمة الشوارع" متعة الأكل برخص التراب.. ولكن!

رشا الأمين
2024-06-10

قضت نورا ساعات طوال لتفسير تصرفات زوجها ليث الغريبة، وبعد ليلة من القلق اتصلت بصديقتها لتخبرها " إنها ضحية خيانة زوجية، فـ ليث لم يعد يتناول الطعام كالسابق في المنزل ولم تعد تسمع كلمات الإطراء والغزل عندما يتذوق أكلاتها".  

تضيف نورا أنها لم تجد تفسيراً لهذه "التصرفات" إلا وجود امرأة أخرى في حياته يحرص على إرضاءها من خلال تناول الطعام معها!. 

 

رحلة كشف السر 

في صباح أحد الأيام قررت نورا مراقبة زوجها لمعرفة ما الذي يحدث، ركبت سيارة الأجرة ولحقته، لتجده جالسا قرب إحدى عربات بيع المأكولات، وهو يتناول الطعام والابتسامة على وجهه.  

لم تصدق عينها، كررت المحاولة في يوم آخر، لتندهش بعد أن وجدت زوجها يقف أمام عربة طعام أخرى، هنا نزلت مسرعة من السيارة، لتجده يأكل بشراهة وهو يتلذذ بنكهة الطعام ويقول "عاشت إيدك حيدوري". 

فور انتهاء ليث من تناول طعام حيدوري، رد على تساؤلات نورا بقوله إنه يجد الراحة والهدوء هنا في الهواء الطلق، فعربة الطعام تعيد له الذكريات عندما كان شاباً، وما يقوم به ليس خيانة، بل هي أيضاً فترة يقضيها مع نفسه للتفكير في أمور الحياة وحل المشاكل. 

 

 انتشار عربات بيع الأطعمة  

في السنوات الأخيرة، انتشرت في شوارع المدن العراقية عربات الطعام المتنقلة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تجربة تناول الطعام في الهواء الطلق، وبأرخص الأسعار. 

في ظل إقبال متزايد.. انتشرت عربات بيع الأطعمة في شوارع المدن العراقية

كما تعتبر تلك العربات وسيلة مبتكرة ومرنة، لتقديم مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات لاقت استحسان المواطنين، وهي أيضاً وسيلة لكسب لقمة العيش للعديد من الشباب والشابات العاطلين عن العمل. 

 

شغف الطهي وقصة هه نار 

عندما يجتمع الإصرار مع الإبتكار، تبرز قصص النجاح. في شارع "سالم" أحد أشهر شوارع محافظة السليمانية، في إقليم كردستان العراق، تجسد "هه نار" وهي أم لطفلين، إحدى هذه القصص، فهي برعت وأبدعت في عملها وتقدم مأكولات جمعت بين التقليدي والحديث. 

عندما يجتمع الإصرار والابتكار تبرز قصة "هه نار" التي تقدم أطعمة تجمع بين الأطباق التقليدية والحديثة

تقول هه نار "زوجي كان أول الداعمين والمشجعين للفكرة، ولكي أوفر دخلاً لعائلتي الصغيرة، توجهت لافتتاح عربتي الخاصة ببيع الطعام". 

تفتخر هه نار، وهي تقف خلف عربتها التي تعرض مختلف أنواع الأطباق، بمشروعها وقدرتها على إدارة عملها دون مساعدة أحد. لما لا، فعربة الطعام هذه وفرت لها مردوداً مالياً يسهم في توفير احتياجات العائلة، بدعم من زوجها الذي يساعدها على إعداد الطعام. 

 

فرصة لأصحاب المشاريع الصغيرة 

توفر عربات الطعام المتنقلة الفرصة لهواة الطبخ وأصحاب المشاريع الصغيرة، لعرض ابداعاتهم بطريقة مبتكرة ومميزة. 

"سعد" صاحب عربة للمأكولات في شارع الإسكان الشعبي في محافظة أربيل، بإقليم كردستان، عمل طباخا في عربات الطعام المتنقلة منذ أكثر من 10 أعوام، قبل أن يفتح مشروعه الصغير. وبعد ثلاثة أعوام استطاع أن يوسع المشروع، ويضيف إلى قائمة الأطعمة أطباقاً متنوعة يعدها بيده، ويقول إن أغلب زبائنه من الشباب. 

"لحم القوزي الموصلي" إحدى أشهر الأكلات ألتي يقدمها سعد لجذب زبائنه، ويضيف "أسعاري تنافسية ومناسبة، أبيع أنواع اللحوم والدجاج بأسعر لا تتعدى 2000 دينار عراقي، فيما تتراوح أسعار باقي الأكلات من أطباق وسندويشات بين 1250 – 750 دينار عراقي". 

 

تغير في العادات وطعام أكثر مقبولية 

تجذب أطعمة العربات المتنقلة جمهوراً واسعاً من أصحاب الدخل المحدود والطلاب، فضلاً عن الباحثين عن تجارب فريدة كالسياح، ويقول سعد إن ارتفاع أعداد زبائن العربات المتنقلة سببه "أن الأطعمة يتم تحضيرها يومياً وأمام الزبون، ليطمئن على نظافتها ونوعيتها فضلاًَ عن سعرها الرخيص". 

وتسهم هذه العربات في تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية في المناطق التي تعمل بها، مع ارتفاع بدلات الإيجار وأسعار العقارات. كما يعكس انتشار عربات الطعام المتنقلة تغيرا في عادات الأكل وخيارات المستهلك، وتعزز التنوع الغذائي والابتكار. 

يوضح كوران وهو طاهٍ يعمل في إحدى عربات الطعام المتنقلة أن " إيقاع الحياة السريع دفع العديد للبحث عن طريقة سهلة لتناول الطعام، دون الجلوس والانتظار لساعات في المطاعم، ولهذا هناك إقبال على أكشاك وعربات بيع الطعام". أيضا سعر الأطباق الرخيص الذي لا يتجاوز غالبا 2000 دينار، ساهم في انتشار أطعمة الشارع وتنوعها. 

 

تحديات تواجه العاملين  

رغم تزايد شهرة عربات بيع الطعام المتنقلة والفرص التي توفرها، إلا أن العاملين في هذا القطاع يواجهون تحديات تهدد استمرار عملهم. 

الطاهي كوران، يقول إنه مثل آخرين من أقرانه، يتعرض باستمرار لتهديدات بالطرد، في ظل غياب قانون يحمي حقوقهم. فأصحاب العمل يهددون هؤلاء بالطرد في أي لحظة وتعيين آخرين، سيما الأجانب، للعمل ساعات أكثر وبأجر أقل.  

يقول كوران " أنا احترم كل الجنسيات، لكن ليس من العدالة أن يهددنا صاحب العمل بالطرد والاستعانة بعمال أجانب، مقابل أجور أقل بكثير". 

هذه التهديدات تسلط الضوء على ضرورة تحسين ظروف من يعمل في هذا القطاع، وتوفير إطار قانوني يحمي حقوقهم، كوران يعمل الآن 8 ساعات يومياً، مقابل 40 ألف دينار عراقي، والآن يُطلب منه العمل أكثر من 10 ساعات، مقابل 30 ألف دينار عراقي يوميا، ويقول "هذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجات عائلاتنا". 

 

رشا الأمين

المزيد

مراكز غير مرخصة.. عندما يتحول الجمال الى تجارة قاتلة
عيادات ومراكز التجميل بدأت تتنافس فيما بينها لجذب الشباب الراغبين في اجراء العمليات

قضت الشابة، زهراء باسم، أشهراً حتى تعافت من مرض أصيبت به خلال خضوعها لعملية تجميلية، سعياً منها للوصول إلى جسم مثالي. تقول زهراء إن عدوى فايروسية أصابتها خلال عملية أجرتها في إحدى مراكز التجميل في بغداد، سببت لها التهابات وأثرت على صحتها النفسية. 

زهراء ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من ضحايا مراكز التجميل غير المرخصة، والتي لا تلتزم بالضوابط الصحية، فالإقبال المتزايد من الشباب والشابات على الاهتمام بجمالهم، خاصة أولئك الذين يسعون للشهرة من خلال نشر الصور على مواقع التواصل الإجتماعي، فسح المجال لغير المختصين بفتح عيادات غير مرخصة، بعيداً عن أعين السلطات الصحية، والتي تقدم مجموعة واسعة من الخدمات التجميلية، بدءا من العناية بالبشرة والشعر، وصولاً لإجراء عمليات بعضها حساسة وخطرة. 

 

مراكز غير مرخصة.. مصدر للإصابة بالإيدز 

تلجأ مراكز التجميل غير المرخصة إلى عدة أساليب، منها تقديم عروض تخفيضية لجذب المراجعين وأغلبهم من شريحة الشباب، ليقع العديد منهم ضحايا لأخطاء طبية أنهت حياة البعض، وكانت السبب في إصابة آخرين بأمراض. 

لجنة الصحة النيابية حذرت بدورها من انتشار كبير وغير منضبط لعيادات التجميل، التي تعمل دون رقابة، ما يشكل خطراً على الصحة العامة، وقالت إنها سجلت أكثر من 2600 إصابة بمرض الإيدز، من بينها 470 حالة وفاة حتى بداية العام الحالي. 

 

هوس بمشاهير "السوشل ميديا" 

انتشار مراكز التجميل غير المرخصة سببه زيادة طلب جيل الشباب على إجراء عمليات التجميل، هوساً بتقليد مشاهير السوشل ميديا، بحسب نقيب الأطباء السابق، الدكتور جاسم العزاوي، الذي يقول لـ"سوا" إن بعض هذه المراكز تجذب انتباه المزيد من الزبائن، من خلال استخدام المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، للدعاية لهم مقابل مبالغ طائلة. 

ويصف العزاوي المشرفين على هذه المراكز بالمتاجرين بمهنة الطب التجميلي، ممن يتحايلون على قوانين وزارة الصحة، من خلال نقل مراكزهم من منطقة إلى أخرى، وتحت أسماء مختلفة هرباً من أجهزة الرقابة، فمنطقة المنصور في العاصمة بغداد مثلاً، تحتوي لوحدها على أكثر من 500 عيادة تجميل. العزاوي حمَّل السلطات الصحية والأمنية المسؤولية الكبرى في استمرار انتشار هذه المراكز، بسبب "العشوائية" في تطبيق القوانين الصحية، على حد وصفه. 

الكاتبة، أسيل الطائي، تقول من جهتها إن التطور التكنولوجي وتقنيات الطب والانفتاح على العالم الخارجي، الذي يعج بالمؤثرين والمشاهير، شجع على خوض تجربة التجميل، حتى وإن لم تكن ضرورية. 

 

"أطباء تجميل" بلا شهادة وخبرة  

استغلال بعض الوافدين الأجانب لجهل العراقيين مهنهم الحقيقية، دفع البعض منهم إلى انتحال صفة طبيب جراح، وفتح مراكز تجميل غير مرخصة، هذا سبب آخر أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة بحسب مدير عام صحة محافظة ميسان، الدكتور علي العلاق. 

ومنذ أكتوبر 2022 ولغاية ديسمبر 2023، أغلقت وزارة الصحة 124 مركزاً تجميلياً، 94 منها كانت وهمية، و30 مجازة لكنها مخالفة لضوابط الوزارة. أحالت وزارة الصحة على القضاء خلال تلك الفترة 25 طبيباً وطبيب أسنان، ممن يعملون في المراكز والعيادات التجميلية، لمخالفتهم التعليمات والضوابط، فضلا عن إتلاف كميات كبيرة من مواد غير صالحة للاستخدام في مراكز التجميل.  

في مطلع شهر يوليو الماضي، أعلن جهاز الأمن الوطني، القبض على منتحل صفة "طبيب تجميل" في العاصمة بغداد، فيما أشار إلى أن المتهم يحمل شهادة المتوسطة فقط. وذكر بيان لجهاز الأمن، أن معلومات استخبارية أكدت وجود شخص يحمل صفة "طبيب تجميل"، ولديه عيادة يمارس فيها النصب والاحتيال على المراجعين في بغداد، ليتم إثر ذلك اعتقال المتهم بالجرم المشهود، وضبط مواد طبية مجهولة يستخدمها للحقن والتجميل. المتهم اعترف بأنه يمتلك شهادة المتوسطة فقط، ونظم دورات تعليمية حول عمليات التجميل داخل عيادته مقابل مبالغ مالية. 

 

ضغوط مجتمعية وتنافس وتنمر  

عيادات ومراكز التجميل بدأت تتنافس فيما بينها لجذب الشباب الراغبين في إجراء العمليات، من خلال طرح عروض مغرية بأسعار زهيدة أحياناً. ويذكر موقع "تجميلي" المتخصص في مجال طب التجميل، أن العراق حل ثامناً بعد الجزائر والكويت في عدد عمليات التجميل، حيث تصدرت زراعة الشعر قائمة العمليات التي يخضع لها الشباب الذكور، تليها عمليات تجميل الأنف وزراعة الأسنان وشعر اللحية. 

عدد قليل من الشباب كان سابقاً يرغب في إجراء عمليات تجميل، لكن عالم السوشيال ميديا والمنافسة والتأثر بعادات وتقاليد وثقافات جديدة، كل هذا غيَّر من معايير الجمال في الوقت الحالي، حتى أن العديد من الشباب باتوا يتعرضون إلى ضغوط اجتماعية، وصلت إلى حد التنمر لتغيير مظهرهم الخارجي.   

الشاب، محمد علي، كان ضحية لهذا التنمر الذي تعرض له من قبل زملائه، بسبب ملامح وجهه عندما كان طالبا في مرحلة السادس الإعدادي، ويقول لـ "سوا" إنه لولا نظرة المجتمع، لما كان يجري أي عملية تجميل.  

أما الصحفية، نغم مكي، فتشير إلى أن هذه النظرة التي ترفض كل من هو مختلف، قد تشعر البعض بأن المظهر الخارجي هو أساسي لتقدير الذات وقبول المجتمع، حينها تبدأ معاناة رحلة تغيير الشكل، التي قد تصل إلى حد تغيير لون البشرة. 

الأشخاص الذين يعانون من عدم الرضا عن مظهرهم الخارجي، قد يلجؤون إلى عمليات التجميل كوسيلة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، هكذا يفسر الباحث النفسي، كاظم موسى، أسباب تزايد الإقبال على  مراكز التجميل، حتى وإن كانت غير مرخصة، ويشير إلى أن "الناحية العلمية السيكولوجية تفسر التوجه لعمليات التجميل، بما يسمى اضطراب الهوية الشخصية الناتج عن عدم الثقة بالنفس". 

 

 تعزيز القوانين والتشريعات 

مئات من مراكز التجميل غير المرخصة المنتشرة في بغداد وبقية المحافظات باتت تهدد الباحثين عن الجمال، بالموت، ورغم مساعي نقابة الأطباء في العراق لإيقافها، إلا أن نقيب الأطباء السابق، الدكتور جاسم العزاوي، يقول إن الحد من الظاهرة مرهون بدعم حكومي وتشديد في الإجراءات.  

نقابة الأطباء حذرت بدورها من تسجيل حالات تنوعت بين الأمراض والتشوهات والمشاكل الصحية الخطيرة الأخرى، بسبب الأعمال والممارسات غير المرخصة، وذكرت أن كثرة من يعلنون قدرتهم على تنفيذ عمليات التجميل، جعلت المواطنين لا يعرفون من هم الأطباء الحقيقيون، وأن البعض يحاول جعل الإنسان العراقي سلعة تتبادلها وسائل التواصل الاجتماعي والسماسرة والمتاجرون. 

وكانت وزارة الصحة قد قررت إيقاف منح إجازات فتح للمؤسسات الصحية الخاصة، من مستشفيات أهلية وعيادات جراحية ومراكز تخصصية، ومن ضمنها مراكز التجميل ومكاتب السياحة العلاجية، لحين إصدار ضوابط جديدة.  

الوزارة قررت أيضاً منع بعض الاختصاصات، ومن بينها أطباء الأسنان، من إجراء عمليات في مراكز التجميل، وأشارت إلى أن لديها دوراً رقابياً وتفتيشياً،  ولديها كذلك صلاحيات الغلق والتنفيذ للجهات الأمنية. الوزارة وصفت ملف عيادات التجميل بـ"المعقد" وقالت إنها بدأت بوضع ضوابط وإعداد تعليمات جديدة تنظم عمل هذه المراكز في العراق.