"أطعمة الشوارع" متعة الأكل برخص التراب.. ولكن!
قضت نورا ساعات طوال لتفسير تصرفات زوجها ليث الغريبة، وبعد ليلة من القلق اتصلت بصديقتها لتخبرها " إنها ضحية خيانة زوجية، فـ ليث لم يعد يتناول الطعام كالسابق في المنزل ولم تعد تسمع كلمات الإطراء والغزل عندما يتذوق أكلاتها".
تضيف نورا أنها لم تجد تفسيراً لهذه "التصرفات" إلا وجود امرأة أخرى في حياته يحرص على إرضاءها من خلال تناول الطعام معها!.
رحلة كشف السر
في صباح أحد الأيام قررت نورا مراقبة زوجها لمعرفة ما الذي يحدث، ركبت سيارة الأجرة ولحقته، لتجده جالسا قرب إحدى عربات بيع المأكولات، وهو يتناول الطعام والابتسامة على وجهه.
لم تصدق عينها، كررت المحاولة في يوم آخر، لتندهش بعد أن وجدت زوجها يقف أمام عربة طعام أخرى، هنا نزلت مسرعة من السيارة، لتجده يأكل بشراهة وهو يتلذذ بنكهة الطعام ويقول "عاشت إيدك حيدوري".
فور انتهاء ليث من تناول طعام حيدوري، رد على تساؤلات نورا بقوله إنه يجد الراحة والهدوء هنا في الهواء الطلق، فعربة الطعام تعيد له الذكريات عندما كان شاباً، وما يقوم به ليس خيانة، بل هي أيضاً فترة يقضيها مع نفسه للتفكير في أمور الحياة وحل المشاكل.
انتشار عربات بيع الأطعمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت في شوارع المدن العراقية عربات الطعام المتنقلة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تجربة تناول الطعام في الهواء الطلق، وبأرخص الأسعار.
كما تعتبر تلك العربات وسيلة مبتكرة ومرنة، لتقديم مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات لاقت استحسان المواطنين، وهي أيضاً وسيلة لكسب لقمة العيش للعديد من الشباب والشابات العاطلين عن العمل.
شغف الطهي وقصة هه نار
عندما يجتمع الإصرار مع الإبتكار، تبرز قصص النجاح. في شارع "سالم" أحد أشهر شوارع محافظة السليمانية، في إقليم كردستان العراق، تجسد "هه نار" وهي أم لطفلين، إحدى هذه القصص، فهي برعت وأبدعت في عملها وتقدم مأكولات جمعت بين التقليدي والحديث.
تقول هه نار "زوجي كان أول الداعمين والمشجعين للفكرة، ولكي أوفر دخلاً لعائلتي الصغيرة، توجهت لافتتاح عربتي الخاصة ببيع الطعام".
تفتخر هه نار، وهي تقف خلف عربتها التي تعرض مختلف أنواع الأطباق، بمشروعها وقدرتها على إدارة عملها دون مساعدة أحد. لما لا، فعربة الطعام هذه وفرت لها مردوداً مالياً يسهم في توفير احتياجات العائلة، بدعم من زوجها الذي يساعدها على إعداد الطعام.
فرصة لأصحاب المشاريع الصغيرة
توفر عربات الطعام المتنقلة الفرصة لهواة الطبخ وأصحاب المشاريع الصغيرة، لعرض ابداعاتهم بطريقة مبتكرة ومميزة.
"سعد" صاحب عربة للمأكولات في شارع الإسكان الشعبي في محافظة أربيل، بإقليم كردستان، عمل طباخا في عربات الطعام المتنقلة منذ أكثر من 10 أعوام، قبل أن يفتح مشروعه الصغير. وبعد ثلاثة أعوام استطاع أن يوسع المشروع، ويضيف إلى قائمة الأطعمة أطباقاً متنوعة يعدها بيده، ويقول إن أغلب زبائنه من الشباب.
"لحم القوزي الموصلي" إحدى أشهر الأكلات ألتي يقدمها سعد لجذب زبائنه، ويضيف "أسعاري تنافسية ومناسبة، أبيع أنواع اللحوم والدجاج بأسعر لا تتعدى 2000 دينار عراقي، فيما تتراوح أسعار باقي الأكلات من أطباق وسندويشات بين 1250 – 750 دينار عراقي".
تغير في العادات وطعام أكثر مقبولية
تجذب أطعمة العربات المتنقلة جمهوراً واسعاً من أصحاب الدخل المحدود والطلاب، فضلاً عن الباحثين عن تجارب فريدة كالسياح، ويقول سعد إن ارتفاع أعداد زبائن العربات المتنقلة سببه "أن الأطعمة يتم تحضيرها يومياً وأمام الزبون، ليطمئن على نظافتها ونوعيتها فضلاًَ عن سعرها الرخيص".
وتسهم هذه العربات في تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية في المناطق التي تعمل بها، مع ارتفاع بدلات الإيجار وأسعار العقارات. كما يعكس انتشار عربات الطعام المتنقلة تغيرا في عادات الأكل وخيارات المستهلك، وتعزز التنوع الغذائي والابتكار.
يوضح كوران وهو طاهٍ يعمل في إحدى عربات الطعام المتنقلة أن " إيقاع الحياة السريع دفع العديد للبحث عن طريقة سهلة لتناول الطعام، دون الجلوس والانتظار لساعات في المطاعم، ولهذا هناك إقبال على أكشاك وعربات بيع الطعام". أيضا سعر الأطباق الرخيص الذي لا يتجاوز غالبا 2000 دينار، ساهم في انتشار أطعمة الشارع وتنوعها.
تحديات تواجه العاملين
رغم تزايد شهرة عربات بيع الطعام المتنقلة والفرص التي توفرها، إلا أن العاملين في هذا القطاع يواجهون تحديات تهدد استمرار عملهم.
الطاهي كوران، يقول إنه مثل آخرين من أقرانه، يتعرض باستمرار لتهديدات بالطرد، في ظل غياب قانون يحمي حقوقهم. فأصحاب العمل يهددون هؤلاء بالطرد في أي لحظة وتعيين آخرين، سيما الأجانب، للعمل ساعات أكثر وبأجر أقل.
يقول كوران " أنا احترم كل الجنسيات، لكن ليس من العدالة أن يهددنا صاحب العمل بالطرد والاستعانة بعمال أجانب، مقابل أجور أقل بكثير".
هذه التهديدات تسلط الضوء على ضرورة تحسين ظروف من يعمل في هذا القطاع، وتوفير إطار قانوني يحمي حقوقهم، كوران يعمل الآن 8 ساعات يومياً، مقابل 40 ألف دينار عراقي، والآن يُطلب منه العمل أكثر من 10 ساعات، مقابل 30 ألف دينار عراقي يوميا، ويقول "هذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجات عائلاتنا".