2024.. عام الانتخابات والتقلبات الاقتصادية
واجه تحديات كبرى بسبب جائحة "كوفيد 19"..
ثم زادت الحرب في كل من أوكرانيا وغزة من المخاطر التي تحف به..
فأين يتجه الاقتصاد العالمي في ظل التقلبات المتواصلة خلال عام 2024، وما تأثير ذلك على الدول العربية وأسواقها؟..
مع بداية عام 2024، ومثلما جرت عليه العادة في الأوساط الاقتصادية المختصة كل سنة، ظهرت عديد الدراسات والتوقعات بخصوص أبرز التوجهات التي سيشهدها الاقتصاد العالمي. ولا يمكن فصل تلك التوقعات عن التركة الثقيلة التي خلفتها السنوات الماضية. إذ ما لبثت الأسواق العالمية أن استفاقت من صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدخل البلبلة على إمدادات بالمنتجات الزراعية، خصوصاً الحبوب، حتى اندلع القتال في قطاع غزة، الذي توسعت تبعاته لتصل إلى البحر الأحمر، حيث قامت جماعة "أنصار الله" الحوثيين، التي وضعتها الخارجية الأميركية على قائمة المنظمات الإرهابية، باستهداف السفن التجارية قبالة سواحل اليمن، ما أثر سلباً على سلاسل الإمداد للتجارة الدولية. ويأتي ذلك كله وسط مخاوف مستمرة من ركود اقتصادي عالمي، بسبب محاولات البنوك المركزية حول العالم تقليل التأثير الاقتصادي المدمر لجائحة كوفيد 19، في نفس الوقت الذي تتصاعد فيه الخلافات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
ستحدد اختيارات 2024 الاقتصادية.. انتخابات مفصلية في 50 دولة
يقول الخبير في اقتصاديات النفط والطاقة، مصطفى البزركان، الذي تحدث إلى بودكاست زوايا، إن توقعات المؤسسات المالية الدولية ليست علماً صحيحاً، ما يجعلها قد تخطئ وتصيب. ويرى البزركان أن التحولات السياسية تلعب دوراً محورياً في تحديد الاختيارات الاقتصادية، التي على ضوئها يتم بناء تلك التوقعات. ويعطي البزركان عدة أمثلة على ذلك، أبرزها تغيير الحكومة في إيطاليا، أين سارعت رئيسة الوزراء، جورجا ميلوني، إلى الانسحاب من مبادرة "طريق الحرير الجديد" الصينية، وقرار الحكومة الأرجنتينية العدول عن طلب الانضمام إلى مجموعة "بريكس".
سيتوجه أكثر من ملياري شخص حول العالم إلى صناديق الاقتراع خلال هذا العام، ما سيؤثر بالضرورة على الاختيارات الاقتصادية المستقبلية. وتشمل قائمة البلدان التي ستشهد تنظيم انتخابات، الهند، صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، والمكسيك، وجنوب أفريقيا، وكذلك انتخابات البرلمان الأوروبي. لكن الانتخابات الأكثر أهمية هي دون منازع الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي لا تزال في مراحلها التمهيدية ولا نعرف رسمياً من سيتنافس فيها، غير أن المراقبين يرجحون أن ينحصر السباق بين الرئيس الحالي، جو بايدن، والرئيس السابق، دونالد ترامب.
ونظراً للاختلاف الإيديولوجي بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الديمقراطي والجمهوري، فإن الاختيارات الاقتصادية ستكون متناقضة إلى حد بعيد. ويشرح ذلك الخبير في السياسات الاقتصادية وأسواق المال، الدكتور وائل النحاس، الذي حاوره بودكاست زوايا، إذ يقول إن الديمقراطيين هم "أصحاب السياسة والدبلوماسية والنفس الطويل"، وعادة ما يتسلمون السلطة في ظل أزمات اقتصادية حادة، لينفذوا سياسات تهدف لتلافي تأثير سياسات الجمهوريين. أما الجمهوريون فيتميزون "بالعنفوان" في اتخاذ القرارات، وبحكم أن أغلبهم من أصحاب المال والأعمال، فإن سياساتهم تتميز بانخفاض الضرائب والتركيز على أسعار النفط والذهب ونسب الفائدة. لذلك يرى وائل النحاس أنه في عهد الجمهوريين يتلاعب السياسيون بالاقتصاد، أما في فترة حكم الديمقراطيين فيحدث العكس.
2024.. "تراجع العولمة" وزيادة في المديونية
في تقريره حول المخاطر المحتملة خلال سنة 2024، يؤكد المنتدى الاقتصادي العالمي أن هذه السنة ستكون محكومة بالتقلب وعدم الاستقرار. ويضيف التقرير أن الضبابية التي تسود التوقعات حول أداء الأسواق العالمية، تعود في أغلبها إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، والضغط الجبائي، والسياسات النقدية الصارمة التي أملتها نسب التضخم القياسية، بالإضافة إلى الاحتمال المتزايد لحدوث انكماش اقتصادي في دول كبرى وعلى رأسها الصين، قد يمتد إلى باقي دول العالم حسب تقرير للبنك الدولي. ويأتي ذلك رغم تأكيد الخبراء أن نسب التضخم ستشهد بداية انخفاض تدريجي خلال العام الحالي، لكنها ستبقى دون الأهداف المعلنة من البنوك المركزية في أغلب دول العالم. من جهتها تقدر الأمم المتحدة نسبة النمو الاقتصادي العالمي خلال 2024 بنسبة 2.4 في المئة.
يقول الخبير في اقتصاديات النفط والطاقة، مصطفى البزركان، إن تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، الذي زادت حدته عقب جائحة كورونا، أدى إلى تراجع العولمة الاقتصادية، وتكوين مجموعات إقليمية منكفئة نحو الداخل، مثل مجموعة الدول التي تدور في فلك الصين في جنوب شرق آسيا، أو دول الاتحاد الأوروبي. ويضيف البزركان، أن هناك تغييراً في التحالفات الاقتصادية للدول الغربية، التي كانت تتوجه لتصنيع المنتجات المختلفة في الصين، ما حوَّل هذه الأخيرة إلى مصنع العالم، وذلك عبر الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة وانخفاض الكلفة. لكن منذ أزمة الرقائق الإلكترونية، التي ظهرت للعيان إثر تعطل سلاسل التزويد بسبب جائحة كورونا، شعرت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأنها ارتكبت خطأ باعتمادها المفرط على الصين، وبدأت بالفعل في إعادة توطين عديد الصناعات التكنولوجية لديها، مع توجه نحو الهند كبديل في سباق التصنيع.
وائل النحاس: عام 2024 هو عام سداد الفواتير.. وثلث الديون في العالم يتركز في الشرق الأوسط والأدنى.
كما تحمل سنة 2024 استحقاقات كبرى للدول التي تعاني من ارتفاع الديون، ومن بينها عديد الدول العربية. يقول الدكتور وائل النحاس إن هذا العام "هو عام سداد الفواتير، إذا كانت هناك بالفعل أنظمة لم تسدد ما عليها من ولاءات والتزامات، فهذا العام عام حاسم بالنسبة لها". إذ يبلغ حجم الديون العالمية 305 تريليون دولار، يتركز ثلثها في الشرق الأوسط والأدنى. ويعود سبب تراكم الديون في المنطقة العربية حسب الزيات، إلى غياب الإنتاج وارتفاع الاستهلاك. غير أنه يجب التفريق بين مجموعتين مختلفتين من بين الدول العربية. إذ رغم ارتفاع حجم الدين العام لديها، تملك الدول العربية النفطية إمكانيات مالية لسداد تلك الديون. وعلى العكس من ذلك، تواجه الدول العربية غير النفطية معضلة كبيرة، تتمثل في إيجاد الدخل الكافي لسداد ديونها المتراكمة، في ظل غياب المداخيل بالعملة الصعبة.
إن رفع سعر الفائدة من طرف الاحتياطي الفدرالي الأميركي، يجعل كلفة التمويل عبر القروض أعلى، ما يعني إمكانية تخلف بعض الدول عن سداد ديونها. ويؤدي ذلك أيضاً، إلى انخفاض العملات المحلية، لأن القروض في معظم الدول العربية يتم احتسابها بالدولار الأميركي، ما يعني زيادة في نسبة التضخم وارتفاع الأسعار. كما أن استمرار العمليات العسكرية في كل من أوكرانيا وغزة، يؤثر على سلاسل التزويد، وطرق التجارة العالمية، ما يزيد حالة عدم اليقين التي تسود ليس في المنطقة العربية فقط، بل على المستوى العالمي. وفي ظل هذه الضبابية، يبدو واضحاً أن السياسات الاقتصادية في عديد دول العالم، أصبحت تعتمد على الإنتاج الوطني لتلبية حاجات الأسواق المحلية، وهو ما اعتبره عديد المحللين بداية النهاية لحقبة العولمة الاقتصادية، وبداية حقبة جديدة لاتزال معالمها مجهولة.