بين غزة وفيلادلفيا.. خطة نتانياهو الجديدة لإنهاء الحرب
هو طريق ضيق شرق الحدود بين مصر وقطاع غزة..
يُعرف في إسرائيل بطريق "فيلادلفيا"، أما المصادر الفلسطينية فتطلق عليه اسم محور صلاح الدين..
ومع تحول العمليات العسكرية إلى جنوب القطاع، أصبحت السيطرة على ذلك المحور موضع تجاذبات إقليمية..
فما هي أهميته، ولماذا تشكل السيطرة عليه حجر الزاوية لخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو؟..
إثر الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، في السابع من أكتوبر الماضي، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، هجوماً شاملاً على قطاع غزة، يهدف إلى وقف الهجمات الصاروخية على بلاده، والقضاء على حركة حماس. وبعد أن تركزت عمليات الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، خلال مرحلة أولى، بدأت تلك العمليات بالتحول تدريجياً نحو الجنوب، أين ترافقت مع استخدام مكثف للقصف الجوي والمدفعي، ما دفع أغلب السكان إلى النزوح. ومع بداية المعارك العنيفة التي شهدتها خان يونس، أعلنت إسرائيل أنها تعطي منطقة رفح، في أقصى جنوب القطاع، أولوية مطلقة في عملياتها الحربية. ووصل الأمر إلى إعلان نتانياهو في الثلاثين من ديسمبر الماضي، أن "محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر، يجب أن يكون تحت سيطرة إسرائيلية، ويجب إغلاقه لضمان نزع السلاح من القطاع".
منطقة منزوعة السلاح
عند توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، المعروفة باتفاقية كامب ديفيد، تم إدراج بنود ذات طابع أمني وعسكري، لضمان عدم حصول أي تصعيد بين البلدين. ومن ضمن تلك البنود، إنشاء منطقة عازلة على طرفي الحدود الدولية المعترف بها. وتشمل المنطقة العازلة الحدود بين مصر وقطاع غزة، حيث يمر عبر الجانب الفلسطيني، الذي احتلته إسرائيل منذ سنة 1967، طريق ضيق يُعرف بمحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين. يقول الخبير الاستراتيجي والمستشار في أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري، اللواء نصر سالم، إن ذلك المحور هو عبارة عن طريق شرق الحدود الدولية بين قطاع غزة ومصر، يبلغ طوله 14 كيلومتراً، ينطلق من البحر المتوسط، وينتهي جنوباً عند منطقة كرم أبو سالم. ويضيف اللواء نصر سالم، الذي تحدث لسوا بودكاست، أن إسرائيل كانت تسيطر على تلك الطريق حتى انسحابها من جانب واحد، وإخلائها قطاع غزة سنة 2005، فيما عُرف بخطة "فك الارتباط".
طبقاً لاتفاقية كامب ديفيد، يقع محور فيلادلفيا في المنطقة "د"، التي تشمل الحدود المباشرة بين مصر وكل من إسرائيل وقطاع غزة، أين تم السماح بنشر وحدات عسكرية محدودة العدد، تقتصر على كتائب مشاة من الجيشين المصري والإسرائيلي، دون وجود وحدات قتالية رئيسية، مثل القوات المدرعة، بالإضافة إلى منشآت يستخدمها المراقبون التابعون للأمم المتحدة. لكن عقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، والذي تم دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وقعت مصر وإسرائيل ما عُرف بـِ "بروتوكول فيلادلفيا"، الذي لا يُلغي اتفاقية كامب ديفيد، لكنه يسمح بتواجد أمني وعسكري، خصوصاً من قوات حرس الحدود، "لمقاومة الإرهاب والتسلل والتهريب عبر الحدود". وبعد سنتين، وعقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، الذي ترافق مع تشديد الإجراءات الإسرائيلية في المعابر مع القطاع، أصبحت الحدود مع مصر هي المتنفس الوحيد للسكان البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة.
"تحت الأرض وفوق الأرض".. جدل حول تهريب الأسلحة بين سيناء وقطاع غزة
تؤكد إسرائيل وجود عمليات تهريب نشيطة بين قطاع غزة والأراضي المصرية. وتضيف المصادر الرسمية والصحفية الإسرائيلية أن تلك العمليات تتم عبر عشرات الأنفاق التي تربط مدينة رفح المصرية بنظيرتها الفلسطينية، وكذلك عبر المعبر الحدودي نفسه. وترى إسرائيل أن أغلب الأسلحة والذخائر التي تحصل عليها الحركات المسلحة داخل قطاع غزة، تأتي من سيناء. ورداً على ذلك، تقول القاهرة إنها أغلقت الأنفاق على الجانب المصري، خلال سنة 2013، عندما قامت ببناء جدار حدودي، بالإضافة إلى إخلاء عشرات المباني والمزارع في محيط مدينة رفح المصرية، قصد إنشاء منطقة عازلة بعمق خمس كيلومترات داخل الأراضي المصرية، للقضاء على أنشطة التهريب.
في تقرير لها نشرته بداية يناير الجاري، قالت وكالة رويترز إن المسلحين والمهربين الفلسطينيين كانوا يستخدمون هذه الأنفاق، لتفادي الحصار الاقتصادي إسرائيلي وإدخال الأسلحة إلى القطاع. من جهته، يقول المحلل في مركز القدس للشؤون العربية، يوني بن مناحيم، الذي تحدث إلى بودكاست زوايا، إن الانتشار العسكري في محور فيلادلفيا يكتسي حساسية من وجهة النظر العسكرية، بسبب حاجة إسرائيل لوقف تهريب الأسلحة إلى حركة حماس، عبر شبكة ضخمة من الأنفاق، تمتد إلى الجانب المصري. ويضيف بن مناحيم أن المعلومات الاستخبارية الموجودة لدى إسرائيل، تؤكد أن حماس أعادت بناء شبكات الأنفاق، بعد العملية المصرية الكبرى على الحدود، وأن التهريب يتم ليس فقط عبر تلك الأنفاق، بل كذلك عبر المعبر الحدودي نفسه، ما يجعل تلك الأنشطة تتم "فوق الارض وتحت الأرض"، ما دفع إسرائيل إلى اعتبار أن القاهرة فشلت في منع عمليات التهريب.
عودة السيطرة الإسرائيلية
ترفض القاهرة بصفة قاطعة التصريحات الإسرائيلية. وخلال شهر يناير، تبادل مسؤولون وإعلاميون مصريون وإسرائيليون الاتهامات بشأن تهريب الأسلحة إلى حماس، عبر منطقة رفح. إذ قال، ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، في بيان أصدره الأسبوع الماضي، إنه "يجب التأكيد بشكل صارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية". وتستند القاهرة في موقفها على مضمون البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية كامب ديفيد، الذي يسمح بتواجد أمني وعسكري محدود ،في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر. و ينص البروتوكول الإضافي كذلك، على أن كل انتشار أو تحرك لوحدات عسكرية في تلك المنطقة، يجب أن يحصل على موافقة الطرف المقابل المسبقة. كما أن توسيع العمليات العسكرية في منطقة رفح، قد يدفع الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى الهروب نحو سيناء، وهو أمر عبرت القاهرة عن رفضها المطلق له. لكن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، نشرت تقريراً قالت فيه إن كلاً من مصر وإسرائيل تتفاوضان بالفعل على مستقبل المحور.
من جهتها، نشرت المصادر الصحفية الإسرائيلية في بداية فبراير، تقاريراً تفيد أن هناك انفراجاً في المحادثات بين مصر وإسرائيل، بخصوص ضبط الحدود وبسط السيادة عليها، عبر وجود "غير دائم" للجيش الإسرائيلي، مع اعتماد كبير على تكنولوجيا أجهزة الاستشعار والرصد، بالإضافة إلى بناء جدار عازل جديد أكثر تطوراً. في الأثناء، يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن السيطرة على محور فيلادلفيا، هي الطريق نحو تحقيق أهداف الحرب ضد المسلحين الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر منع وصول أي إمدادات لهم. ويشكل ذلك ليس فقط تغييراً في الأهداف العملية للخطط العسكرية على الميدان، بل هي كذلك تراجع عن الانسحاب من قطاع غزة، الذي نفذه سلفه، أرييل شارون، عام 2005، من جانب واحد ودون تنسيق مع الفلسطينيين.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي يسود التصريحات الإسرائيلية، إلا أن القاهرة لا تزال لديها تحفظات حول إجراءات السيطرة على المعابر والمناطق الحدودية. كما أن استمرار تصريحات السياسيين الإسرائيليين اليمينيين، الداعية إلى تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، ستزيد من مخاوف القاهرة بشأن نوايا الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي ستصبح لها السلطة المطلقة على كافة المعابر المؤدية إلى القطاع، في صورة سيطرتها على محور فيلادلفيا. في الأثناء، يزداد الوضع في جنوب القطاع تعقيداً، أين نزح الآلاف من المدنيين الفلسطينيين هرباً من القتال والقصف العنيف، وسط ظروف إنسانية صعبة