غزة.. سيناريوهات الحكم لمرحلة ما بعد الحرب
يستمر الحديث عن فترة مستقبل الحكم في غزة ما بعد الحرب، ومن سيدير القطاع في اليوم التالي لانتهاء المعارك. حيث يرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" ضرورة "إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في هيكلية حكم واحدة في ظل سلطة فلسطينية متجددة".
مواقف متناقضة
وجاء موقف بايدن مناقضاً لما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حديث لشبكة سي إن إن عن وجوب "أن تكون هناك سلطة مدنية أعيد بناؤها" في غزة بعد الحرب، غير السلطة الفلسطينية الحالية. وقال إنه يتعين على السلطة الجديدة "أن تتعاون لتحقيق هدفين، الأول هو تجريد غزة من السلاح، والثاني هو نزع التطرف من غزة". معتبراً أن " السلطة الفلسطينية فشلت في كلا الأمرين". وصدرت إثر ذلك مواقف عربية وغربية أجمعت كلها على أهمية أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في مستقبل قطاع غزة، سواء بشكلها الحالي أو بهيكلية معززة ومتجددة.
حيث أقرت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الرياض، الشهر الماضي، دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ودعت مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية للاتحاد تحت مظلتها. من جهته عبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن قبول بلاده فكرة إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع تواجد قوات أمنية دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لكل من غزة وإسرائيل. واعتبر السيسي أن إحياء مسار حل الدولتين قد استُنفذ خلال الثلاثين سنة الماضية، ولم يعد الحديث عنه مجدياً.
ومن البحرين، أعلن ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، "أن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي يمكنها إدارة قطاع غزة بعد الحرب". يأتي ذلك في ظل مساعي غربية لنشر قوات حفظ سلام دولية، كمساهمة في المرحلة التي تلي انتهاء الحرب. ورغم المساعي الدبلوماسية لإقناع الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، بنشر قوات حفظ سلام في قطاع غزة، إلا أن كلاً من مصر والأردن أعلنتا رفضهما لذلك.
السلطة الفلسطينية.. بين الانقسام ومحاولات الإصلاح
تشرح مراسلتنا في رام الله، نجود القاسم، التي تحدثت إلى سوا بودكاست، تاريخ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وارتباطها الهيكلي بالسلطة الفلسطينية وبالفصائل الأخرى. حيث تعتبر منظمة التحرير فكرة مصرية، تأسست في سنة 1964 بقرار عربي، والهدف من إنشائها هو بناء كيان معنوي للفلسطينيين بعد عام 1948. ودخلت الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى المنظمة، بما في ذلك حركة فتح، بعد أربع سنوات من تأسيسها. أما عبارة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" فاعتُمدت خلال القمة العربية في الجزائر، وأكدت عليها القمم العربية والإسلامية.
شكلت سنة 1974 بداية التحول الجذري في عمل منظمة التحرير الفلسطينية، التي أعلنت أنها انتهجت الحل السلمي، قصد تأسيس دولة فلسطينية على أي جزء "يتم تحريره من الأراضي الفلسطينية". وبعد عشرين سنة، انسحبت القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، مثل غزة وأريحا، وعاد الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، إلى القطاع واستقر فيه، حيث أسسس كياناً فلسطينياً هناك. لكن الانسحاب الإسرائيلي الكامل، الذي يطلق عليه الفلسطينيون مصطلح "إعادة التموضع"، تم سنة 2004 ضمن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، المعروفة باسم "فك الارتباط"، والتي تضمنت تفكيك كافة المستوطنات من القطاع. وخلال الانتخابات الثانية للسلطة الفلسطينية التي جرت سنة 2006، فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد البرلمان الذي يعرف بالمجلس التشريعي، . لكن سرعان ما دبت الخلافات بين فتح وحماس، واتسعت بعد قرار الرئيس محمود عباس حل المجلس، ما أدى إلى الانقسام الفلسطيني الذي انتهى بسيطرة كاملة لحماس على غزة، بينما تمت ملاحقة اتباعها في الضفة الغربية وإنهاء تواجدها هناك بشكل شبه كامل.
الحل فلسطيني
من جهته، تساءل السياسي الفلسطيني، نبيل عمرو، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، عن سبب "توريط عدة دول في غزة"، في إشارة إلى مقترحات نشر قوات حفظ سلام عربية. واقترح بدلاً عن ذلك، تقديم دعم لسلطة وطنية فلسطينية "تنشأ عبر إصلاح السلطة الحالية، بالتزامن مع تطوير أداء منظمة التحرير الفلسطينية". ويكون ذلك عبر عودة عمل المؤسسات، والفصل بين السلطات، وتقديم دعم لإعادة الإعمار. ويرى عمرو أنه يجب أن يتم تنظيم انتخابات، تنبثق عنها حكومة وحدة وطنية، تُنهي ماوصفه بالواقع الشاذ المتمثل في حالة الانقسام المستمر.
في ظل التطورات الميدانية والدبلوماسية المتلاحقة، يبدو جلياً أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. ولخص الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريش، في تصريح لقناة سي إن إن الأميركية الوضع السائد بالقول إنه "من المهم أن تكون هناك سلطة فلسطينية تتولى المسؤوليات في غزة، وأنه يجب أن تكون هناك فترة انتقالية تمهد لتسلمها زمام الأمور في غزة، وهو أمر غير ممكن في ظل وجود الدبابات الإسرائيلية".