قصص

غزة.. سيناريوهات الحكم لمرحلة ما بعد الحرب

سوا بودكاست - واشنطن
2023-12-07

يستمر الحديث عن فترة مستقبل الحكم في غزة ما بعد الحرب، ومن سيدير القطاع في اليوم التالي لانتهاء المعارك. حيث  يرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" ضرورة  "إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في هيكلية حكم واحدة في ظل سلطة فلسطينية متجددة". 

 

مواقف متناقضة

وجاء موقف بايدن مناقضاً لما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حديث لشبكة سي إن إن عن وجوب "أن تكون هناك سلطة مدنية أعيد بناؤها" في غزة بعد الحرب، غير السلطة الفلسطينية الحالية. وقال إنه يتعين على السلطة الجديدة "أن تتعاون لتحقيق هدفين، الأول هو تجريد غزة من السلاح، والثاني هو نزع التطرف من غزة". معتبراً أن " السلطة الفلسطينية فشلت في كلا الأمرين". وصدرت إثر ذلك مواقف عربية وغربية أجمعت كلها على أهمية أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في مستقبل قطاع غزة، سواء بشكلها الحالي أو بهيكلية معززة ومتجددة. 

حيث أقرت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الرياض، الشهر الماضي، دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ودعت مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية للاتحاد تحت مظلتها. من جهته عبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن قبول بلاده فكرة إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع تواجد قوات أمنية دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لكل من غزة وإسرائيل. واعتبر السيسي أن إحياء مسار حل الدولتين قد استُنفذ خلال الثلاثين سنة الماضية، ولم يعد الحديث عنه مجدياً.

ومن البحرين، أعلن ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، "أن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي يمكنها إدارة قطاع غزة بعد الحرب". يأتي ذلك في ظل مساعي غربية لنشر قوات حفظ سلام دولية، كمساهمة في المرحلة التي تلي انتهاء الحرب. ورغم المساعي الدبلوماسية لإقناع الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، بنشر قوات حفظ سلام في قطاع غزة، إلا أن كلاً من مصر والأردن أعلنتا رفضهما لذلك.

 

السلطة الفلسطينية.. بين الانقسام ومحاولات الإصلاح

تشرح مراسلتنا في رام الله، نجود القاسم، التي تحدثت إلى سوا بودكاست، تاريخ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وارتباطها الهيكلي بالسلطة الفلسطينية وبالفصائل الأخرى. حيث تعتبر منظمة التحرير فكرة مصرية، تأسست في سنة 1964 بقرار عربي، والهدف من إنشائها هو بناء كيان معنوي للفلسطينيين بعد عام 1948. ودخلت الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى المنظمة، بما في ذلك حركة فتح، بعد أربع سنوات من تأسيسها. أما عبارة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" فاعتُمدت خلال القمة العربية في الجزائر، وأكدت عليها القمم العربية والإسلامية.

شكلت سنة 1974 بداية التحول الجذري في عمل منظمة التحرير الفلسطينية، التي أعلنت أنها انتهجت الحل السلمي، قصد تأسيس دولة فلسطينية على أي جزء "يتم تحريره من الأراضي الفلسطينية". وبعد عشرين سنة، انسحبت القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، مثل غزة وأريحا، وعاد الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، إلى القطاع واستقر فيه، حيث أسسس كياناً فلسطينياً هناك. لكن الانسحاب الإسرائيلي الكامل، الذي يطلق عليه الفلسطينيون مصطلح "إعادة التموضع"، تم سنة 2004 ضمن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، المعروفة باسم "فك الارتباط"، والتي تضمنت تفكيك كافة المستوطنات من القطاع. وخلال الانتخابات الثانية للسلطة الفلسطينية التي جرت سنة 2006، فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد البرلمان الذي يعرف بالمجلس التشريعي، . لكن سرعان ما دبت الخلافات بين فتح وحماس، واتسعت بعد قرار الرئيس محمود عباس حل المجلس، ما أدى إلى الانقسام الفلسطيني الذي انتهى بسيطرة كاملة لحماس على غزة، بينما تمت ملاحقة اتباعها في الضفة الغربية وإنهاء تواجدها هناك بشكل شبه كامل.

 

الحل فلسطيني

من جهته، تساءل السياسي الفلسطيني، نبيل عمرو، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، عن سبب "توريط عدة دول في غزة"، في إشارة إلى مقترحات نشر قوات حفظ سلام عربية. واقترح بدلاً عن ذلك، تقديم دعم لسلطة وطنية فلسطينية "تنشأ عبر إصلاح السلطة الحالية، بالتزامن مع تطوير أداء منظمة التحرير الفلسطينية". ويكون ذلك عبر عودة عمل المؤسسات، والفصل بين السلطات، وتقديم دعم لإعادة الإعمار. ويرى عمرو أنه يجب أن يتم تنظيم انتخابات، تنبثق عنها حكومة وحدة وطنية، تُنهي ماوصفه بالواقع الشاذ المتمثل في حالة الانقسام المستمر.

استمع
هل تحكم السلطة الفلسطينية غزة بعد الحرب؟

في ظل التطورات الميدانية والدبلوماسية المتلاحقة، يبدو جلياً أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. ولخص الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريش، في تصريح لقناة سي إن إن الأميركية الوضع السائد بالقول إنه "من المهم أن تكون هناك سلطة فلسطينية تتولى المسؤوليات في غزة، وأنه يجب أن تكون هناك فترة انتقالية تمهد لتسلمها زمام الأمور في غزة، وهو أمر غير ممكن في ظل وجود الدبابات الإسرائيلية".

سوا بودكاست - واشنطن

المزيد

مراكز غير مرخصة.. عندما يتحول الجمال الى تجارة قاتلة
عيادات ومراكز التجميل بدأت تتنافس فيما بينها لجذب الشباب الراغبين في اجراء العمليات

قضت الشابة، زهراء باسم، أشهراً حتى تعافت من مرض أصيبت به خلال خضوعها لعملية تجميلية، سعياً منها للوصول إلى جسم مثالي. تقول زهراء إن عدوى فايروسية أصابتها خلال عملية أجرتها في إحدى مراكز التجميل في بغداد، سببت لها التهابات وأثرت على صحتها النفسية. 

زهراء ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من ضحايا مراكز التجميل غير المرخصة، والتي لا تلتزم بالضوابط الصحية، فالإقبال المتزايد من الشباب والشابات على الاهتمام بجمالهم، خاصة أولئك الذين يسعون للشهرة من خلال نشر الصور على مواقع التواصل الإجتماعي، فسح المجال لغير المختصين بفتح عيادات غير مرخصة، بعيداً عن أعين السلطات الصحية، والتي تقدم مجموعة واسعة من الخدمات التجميلية، بدءا من العناية بالبشرة والشعر، وصولاً لإجراء عمليات بعضها حساسة وخطرة. 

 

مراكز غير مرخصة.. مصدر للإصابة بالإيدز 

تلجأ مراكز التجميل غير المرخصة إلى عدة أساليب، منها تقديم عروض تخفيضية لجذب المراجعين وأغلبهم من شريحة الشباب، ليقع العديد منهم ضحايا لأخطاء طبية أنهت حياة البعض، وكانت السبب في إصابة آخرين بأمراض. 

لجنة الصحة النيابية حذرت بدورها من انتشار كبير وغير منضبط لعيادات التجميل، التي تعمل دون رقابة، ما يشكل خطراً على الصحة العامة، وقالت إنها سجلت أكثر من 2600 إصابة بمرض الإيدز، من بينها 470 حالة وفاة حتى بداية العام الحالي. 

 

هوس بمشاهير "السوشل ميديا" 

انتشار مراكز التجميل غير المرخصة سببه زيادة طلب جيل الشباب على إجراء عمليات التجميل، هوساً بتقليد مشاهير السوشل ميديا، بحسب نقيب الأطباء السابق، الدكتور جاسم العزاوي، الذي يقول لـ"سوا" إن بعض هذه المراكز تجذب انتباه المزيد من الزبائن، من خلال استخدام المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، للدعاية لهم مقابل مبالغ طائلة. 

ويصف العزاوي المشرفين على هذه المراكز بالمتاجرين بمهنة الطب التجميلي، ممن يتحايلون على قوانين وزارة الصحة، من خلال نقل مراكزهم من منطقة إلى أخرى، وتحت أسماء مختلفة هرباً من أجهزة الرقابة، فمنطقة المنصور في العاصمة بغداد مثلاً، تحتوي لوحدها على أكثر من 500 عيادة تجميل. العزاوي حمَّل السلطات الصحية والأمنية المسؤولية الكبرى في استمرار انتشار هذه المراكز، بسبب "العشوائية" في تطبيق القوانين الصحية، على حد وصفه. 

الكاتبة، أسيل الطائي، تقول من جهتها إن التطور التكنولوجي وتقنيات الطب والانفتاح على العالم الخارجي، الذي يعج بالمؤثرين والمشاهير، شجع على خوض تجربة التجميل، حتى وإن لم تكن ضرورية. 

 

"أطباء تجميل" بلا شهادة وخبرة  

استغلال بعض الوافدين الأجانب لجهل العراقيين مهنهم الحقيقية، دفع البعض منهم إلى انتحال صفة طبيب جراح، وفتح مراكز تجميل غير مرخصة، هذا سبب آخر أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة بحسب مدير عام صحة محافظة ميسان، الدكتور علي العلاق. 

ومنذ أكتوبر 2022 ولغاية ديسمبر 2023، أغلقت وزارة الصحة 124 مركزاً تجميلياً، 94 منها كانت وهمية، و30 مجازة لكنها مخالفة لضوابط الوزارة. أحالت وزارة الصحة على القضاء خلال تلك الفترة 25 طبيباً وطبيب أسنان، ممن يعملون في المراكز والعيادات التجميلية، لمخالفتهم التعليمات والضوابط، فضلا عن إتلاف كميات كبيرة من مواد غير صالحة للاستخدام في مراكز التجميل.  

في مطلع شهر يوليو الماضي، أعلن جهاز الأمن الوطني، القبض على منتحل صفة "طبيب تجميل" في العاصمة بغداد، فيما أشار إلى أن المتهم يحمل شهادة المتوسطة فقط. وذكر بيان لجهاز الأمن، أن معلومات استخبارية أكدت وجود شخص يحمل صفة "طبيب تجميل"، ولديه عيادة يمارس فيها النصب والاحتيال على المراجعين في بغداد، ليتم إثر ذلك اعتقال المتهم بالجرم المشهود، وضبط مواد طبية مجهولة يستخدمها للحقن والتجميل. المتهم اعترف بأنه يمتلك شهادة المتوسطة فقط، ونظم دورات تعليمية حول عمليات التجميل داخل عيادته مقابل مبالغ مالية. 

 

ضغوط مجتمعية وتنافس وتنمر  

عيادات ومراكز التجميل بدأت تتنافس فيما بينها لجذب الشباب الراغبين في إجراء العمليات، من خلال طرح عروض مغرية بأسعار زهيدة أحياناً. ويذكر موقع "تجميلي" المتخصص في مجال طب التجميل، أن العراق حل ثامناً بعد الجزائر والكويت في عدد عمليات التجميل، حيث تصدرت زراعة الشعر قائمة العمليات التي يخضع لها الشباب الذكور، تليها عمليات تجميل الأنف وزراعة الأسنان وشعر اللحية. 

عدد قليل من الشباب كان سابقاً يرغب في إجراء عمليات تجميل، لكن عالم السوشيال ميديا والمنافسة والتأثر بعادات وتقاليد وثقافات جديدة، كل هذا غيَّر من معايير الجمال في الوقت الحالي، حتى أن العديد من الشباب باتوا يتعرضون إلى ضغوط اجتماعية، وصلت إلى حد التنمر لتغيير مظهرهم الخارجي.   

الشاب، محمد علي، كان ضحية لهذا التنمر الذي تعرض له من قبل زملائه، بسبب ملامح وجهه عندما كان طالبا في مرحلة السادس الإعدادي، ويقول لـ "سوا" إنه لولا نظرة المجتمع، لما كان يجري أي عملية تجميل.  

أما الصحفية، نغم مكي، فتشير إلى أن هذه النظرة التي ترفض كل من هو مختلف، قد تشعر البعض بأن المظهر الخارجي هو أساسي لتقدير الذات وقبول المجتمع، حينها تبدأ معاناة رحلة تغيير الشكل، التي قد تصل إلى حد تغيير لون البشرة. 

الأشخاص الذين يعانون من عدم الرضا عن مظهرهم الخارجي، قد يلجؤون إلى عمليات التجميل كوسيلة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، هكذا يفسر الباحث النفسي، كاظم موسى، أسباب تزايد الإقبال على  مراكز التجميل، حتى وإن كانت غير مرخصة، ويشير إلى أن "الناحية العلمية السيكولوجية تفسر التوجه لعمليات التجميل، بما يسمى اضطراب الهوية الشخصية الناتج عن عدم الثقة بالنفس". 

 

 تعزيز القوانين والتشريعات 

مئات من مراكز التجميل غير المرخصة المنتشرة في بغداد وبقية المحافظات باتت تهدد الباحثين عن الجمال، بالموت، ورغم مساعي نقابة الأطباء في العراق لإيقافها، إلا أن نقيب الأطباء السابق، الدكتور جاسم العزاوي، يقول إن الحد من الظاهرة مرهون بدعم حكومي وتشديد في الإجراءات.  

نقابة الأطباء حذرت بدورها من تسجيل حالات تنوعت بين الأمراض والتشوهات والمشاكل الصحية الخطيرة الأخرى، بسبب الأعمال والممارسات غير المرخصة، وذكرت أن كثرة من يعلنون قدرتهم على تنفيذ عمليات التجميل، جعلت المواطنين لا يعرفون من هم الأطباء الحقيقيون، وأن البعض يحاول جعل الإنسان العراقي سلعة تتبادلها وسائل التواصل الاجتماعي والسماسرة والمتاجرون. 

وكانت وزارة الصحة قد قررت إيقاف منح إجازات فتح للمؤسسات الصحية الخاصة، من مستشفيات أهلية وعيادات جراحية ومراكز تخصصية، ومن ضمنها مراكز التجميل ومكاتب السياحة العلاجية، لحين إصدار ضوابط جديدة.  

الوزارة قررت أيضاً منع بعض الاختصاصات، ومن بينها أطباء الأسنان، من إجراء عمليات في مراكز التجميل، وأشارت إلى أن لديها دوراً رقابياً وتفتيشياً،  ولديها كذلك صلاحيات الغلق والتنفيذ للجهات الأمنية. الوزارة وصفت ملف عيادات التجميل بـ"المعقد" وقالت إنها بدأت بوضع ضوابط وإعداد تعليمات جديدة تنظم عمل هذه المراكز في العراق.