قصص

قرى جنوبية "شبه فارغة" ودروس من حرب 2006.. لبنان واحتمالات التصعيد

ارفع صوتك
2023-11-19

بموازاة الحرب الدائرة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة في قطاع غزة، أبرزها "كتائب عز الدين القسام" التابعة لحركة حماس، وتعقيداتها الجيوسياسية، يسود توتر أمني يومي في لبنان، وتحديداً في الجنوب على طول الخط الحدودي، كما يولّد هذا التوتر قلقاً في ضاحية بيروت الجنوبية حيث التواجد الكثيف لـ"حزب الله" وأنصاره.

وفي ظل هذان الترقب والتوتر، حزم مواطنون لبنانيون على تماس مع الأحداث حقائبهم وانتقلوا إلى مناطق تعتبر أكثر أمانا في هذه المرحلة.

موجة التهجير القسرية هذه ليست الأولى التي يشهدها أهل الجنوب اللبناني أو الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ حدث ذلك مرات عديدة، كان آخرها في حرب تموز 2006 حين شنّت إسرائيل حرباً على لبنان رداً على أسر اثنين من جنودها من قبل "حزب الله".

مؤسسات دولية قدرت عدد النازحين من جنوب لبنان بنحو 30 ألفاً، أواخر أكتوبر الماضي. وفي 8 نوفمبر الجاري، قالت مراكز دولية للمعلومات، إن عدد النازحين المسجلين في مراكز الإيواء والمدارس وصل إلى 45 ألفاً.

تستذكر فاطمة عبد الله (كان عمرها في 2006، 20 عاماً) التي تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الزمن يعيد نفسه: "بدأنا نسمع أصوات القصف والانفجارات وهي تقترب. كنا نظنها هزات أرضية، ثم مع اشتداد الاعتداءات والغارات، قرر أهلنا أن الوقت حان للرحيل".

"أذكر أننا التجأنا إلى إحدى قرى جبل لبنان وتحديدا في إقليم الخروب. هناك، استقبلتنا عائلة كريمة وسمحت لنا بالإقامة في إحدى الشقق قيد الإنشاء. قدموا لنا كل شيء من أساسيات ونشأت بيننا علاقات أسرية. اليوم ومع تكرار العدوان، أشعر بالأمان لأني على يقين بأنهم سيستقبلوني وأولادي وقد أصبحت أماً"، تضيف فاطمة لـ"ارفع صوتك".

وعلى الرغم من أن بعض اللبنانيين الجنوبيين انتقل إلى جبل لبنان وبيروت، خصوصا الميسورين منهم حالاً، إذ يمكنهم دفع إيجارات السكن، أو الذين يمتلكون بيوتاً يستخدمونها في الصيف، فضّل البعض الآخر البقاء في الجنوب وانتقلوا إلى مناطق السكسكية والصرفند والزهراني وصور التي فتحت بيوتها مجاناً أو بإيجارات رمزية.

ولكن الانتقال ليس سهلاً دائماً مع ارتفاع أعداد النازحين وانخفاض المساكن المتوفرة. تروي إحدى السيدات من عائلة مرجي والآتية من ضيعة بليدا الحدودية (فضلت عدم ذكر اسمها): "من الطبيعي أن تفرغ القرية لأن ضيعتنا تتعرض للقصف منذ بداية الأحداث. لم نجد بيتاً بسهولة، والبيوت التي وجدناها غير مفروشة وليست مزودة لا بالماء ولا بالكهرباء، يبدو أننا تأخرنا".

وتقول لـ"ارفع صوتك": "سألت عن بيت في منطقة عدلون وكانت قد سبقتنا 200 عائلة فلم نوفق لأن المنازل تعطى مجانا وهناك مساعدات لتأمين النواقص. لكن يمكن القول إن الأمور تيسّرت وأننا نتمكن في النهاية من تدبر حالنا".

 

قرى الجنوب "شبه فارغة"

درجة الجهوزية استعداداً لموجات النزوح باتت أكبر بحسب ما أعلن حسين حمود، نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور في حديث لـ"ارفع صوتك".

ويوضح أن "القرى الحدودية لطالما عاشت تجربة مريرة مع العدو الإسرائيلي منذ عام 1948 كما أن هذه القرى تعاني من تداعيات الاحتلال الإسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه القرى تحررت عام 2000 بعد أن عاشت ظروفاً صعبة وتجربة الناس القاسية تدفعهم للنزوح نحو مناطق أكثر أمناً".

"ويبدو أن القصف على بعض المناطق الحدودية بالإضافة إلى القصف المدفعي والقنابل الفوسفورية، اشتد وطال البيوت بشكل متعمد لإفراغ القرى من أهلها"، يتابع حمود، مؤكداً "وهذا ما تعكسه حدة الأضرار التي ما عادت تقتصر على حرق الأشجار المثمرة والزيتون، بل تطال أيضاً البيوت وطبعاً بعض الأهالي".

ويصف الوضع في الجنوب قائلاً: "بعض القرى خالية اليوم من السكان. وكانت حركة النزوح قد بدأت أولا في قرى مثل الضهيرة وعيتا الشعب وعلما الشعب ومروحين ويارين ثم توسعت لتشمل بتليف وبليدا ورامية وصولا إلى بنت جبيل، ما يعني تمدد حركة النزوح من القطاع الغربي أو القطاع الأوسط إلى القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني، حيث غادر الأهالي بشكل كثيف".

وبلغ عدد النازحين حتى صباح الخميس الماضي (كتابة هذا التقرير)، بحسب حمّود، 11852 نازح مسجل في قضاء صور مع توخي الإشارة الى أمرين، كما يشرح رئيس اتحاد البلديات: "أولا، هذه التفاصيل تعني النازحين المسجلين لأن هذه القرى قد تحررت عام 2000 كما قلنا سابقاً، وكثير من السكان يقصدونها حصرا في فصل الصيف وخلال العطل. بالتالي، هم لا يسكنوها بشكل دائم ولديهم منازل خارج هذه الضيع. وهؤلاء الأشخاص لم يتم تسجيلهم. وثانياً، نحن نسجل الأشخاص فقط من هم نازحون وهذا لا يشمل من قاموا باستئجار بيوت".

 

إدارة الكوارث

انطلاقا من التجارب السابقة في منطقة الجنوب، سجلت مبادرات تهدف لتسهيل تنقل النازحين حتى داخل الجنوب نفسه وضمان سلامتهم، من بينها مبادرة لاتحاد بلديات قضاء صور، وتحديدا لوحدة إدارة الكوارث التي أنشئت عام 2010 لمواجهة كافة الأزمات، واستثمرت بفعالية لمواجهة أزمة كورونا وتداعياتها والحرائق وسواها.

تعكف الوحدة اليوم، بحسب حمود، "على مساعدة أهلنا وأولادنا وأخواتنا من قرى الشريط الحدودي"، مبيناً: "يجري تسجيل عدد النازحين بشكل مباشر لأن للوحدة في كل بلدية و في كل قرية ما يعرف بالمستجيب الأول، تقتضي مهمته الأساسية مع البلديات باستقبال النازحين وتوفير المساكن لهم. ويتم تسجيل كامل التفاصيل عن كل النازحين والقرى التى يأتون منها وعن منازلهم وعن المسكن الذي يستضيفهم ورقم الهاتف وعدد الأفراد مع عمر كل فرد".

"كما تسجل تفاصيل أخرى بهدف تقديم كل المساعدة الممكنة تحيط بالملف الصحي وفي حال وجود أمراض مزمنة أو حالات إعاقة، وتسجل كل البيانات على المنصة وعلى الأجهزة الخاصة بالبلديات وعلى وحدات إدارة الكوارث في الاتحاد الذي يرتبها بدوره وتصبح المعلومات واضحة"، يتابع حمود.

ويشير إلى الاستفادة من التجارب المؤلمة في الماضي، بالقول: "في عام 2006، تحركنا بشكل عشوائي وغير مدروس، إذ اعتمدنا فقط على ردة فعل. ولكن الأمر الجيد هو أن أهل الجنوب اعتادوا للأسف على أن الدولة غائبة ويعلمون أن الاعتماد لا يكون إلا على الأهل في لبنان وعلى الخيريين في هذه المناطق".

لكن اليوم، يقول حمود: "أصبحنا أكثر تنظيماً كوحدة إدارة الكوارث وكل شيء أكثر وضوحاً ويمكننا تحديد حاجاتنا بالكامل وإحصائياتنا بالأرقام الدقيقة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الحكومة عبر المحافظين بتفعيل وحدات الكوارث في المحافظات كالنبطية وصيدا والزهراني وجزين".

 

ارفع صوتك

المزيد

قصص

امتدت إلى البحر الأحمر.. حرب غزة تهدد الملاحة البحرية

سوا بودكاست - واشنطن
2023-12-08

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، إثر الهجوم المباغت الذي شنه مسلحون من حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، تتالت الدعوات إلى تجنب توسيع دائرة الصراع. لكن حركة "أنصار الله الحوثيين" كان لها رأي آخر. حيث أثارت سلسلة الاستهدافات التي شنتها الحركة، بالإضافة إلى تحركات قراصنة السفن التجارية في البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، قلقاً عالمياً حول سلامة طرق التجارة الدولية، والأمن البحري، واستقرار سوق الطاقة العالمي، خاصة وأن الهجمات على السفن وقعت في مياه دولية، وهددت الملاحة في ثلاثة من أهم المضائق والممرات البحرية في العالم، وهي مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس.        

مضيق هرمز الاستراتيجي.. الممر الأكبر في العالم لعبور النفط

يشرح المدير في شركة "آوتلوك أدفايزرز"، أنس الحاجي، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، أهمية تلك الممرات البحرية بالنسبة إلى سوق الطاقة العالمي. حيث قال إن نحو 20 مليون برميل من النفط ومشتقاته تمر يومياً من مضيق هرمز، الذي يقع في مدخل الخليج العربي، وهي الكمية الأعلى التي تمر عبر ممر بحري في العالم. كما تمر نحو 6 ملايين برميل نفط يومياً عبر قناة السويس، التي لاتقتصر أهميتها على قطاع الطاقة فقط، بل تمثل حمولة السفن التي تعبرها نحو 12 في المئة من حجم التجارة العالمية، وهو ما أعاد إلى الأذهان، حادثة جنوح السفينة "إيفرغيفن"، عام 2021، التي انجر عنها توقف الملاحة البحرية عبر الممر المائي، وخسائر ضخمة نتيجة تأخير وتعطل حركة عشرات السفن.

الولايات المتحدة أرسلت حاملة الطائرات "يو إس إس أيزنهاور" إلى المنطقة، عقب تصاعد أحداث العنف

أما على الطرف الآخر من القناة، فيقع مضيق باب المندب، الذي تمر عبره كمية تقدر بنحو 5 ملايين برميل نفط يومياً. ويُضيف الحاجي أن الحرب الروسية على أوكرانيا، زادت من أهمية الممرات البحرية في الشرق الأوسط، حيث يمثل الغاز القطري المسال، أحد البدائل عن الغاز الروسي، بالنسبة للدول الأوروبية.

اليمن.. موقع استراتيجي على مفترق 3 طرق وممرات بحرية دولية

تكتسي حماية الممرات البحرية وضمان حرية الملاحة أهمية كبرى. ويقول العميد طيار ركن، فيصل الحمد، وهو ضابط متقاعد من سلاح الجو السعودي، إن القوات البحرية التي تنتشر في المنطقة، وتشارك فيها 38 دولة، تعمل على إرساء الأمن ومحاربة العمليات الإرهابية والقرصنة.

استمع
معارك غزة تمتد للبحر وتهدد الملاحة البحرية

وأعاد تعزيز الولايات المتحدة لهذه القوة عبر نشر حاملة الطائرات، أيزنهاور، إلى الذاكرة، حرب الناقلات التي اندلعت خلال الثمانينات، والتي اندلعت عندما حاول العراق منع إيران من تصدير النفط، بعد أن خسر ميناء الفاو، الذي كان منفذه الوحيد على الخليج. وردت إيران باستهداف ناقلات النفط الخليجية، وزرع ألغام بحرية، أصاب أحدها الفرقاطة الأميركية صامويل روبرتز، ما  استدعى رداً من البحرية الأميركية التي خاضت أكبر معركة لها منذ الحرب العالمية الثانية.

حادثة جنوح السفينة "إيفرغيفن" انجر عنها توقف الملاحة البحرية في قناة السويس وتعطل حركة عشرات السفن لعدة أيام، ما سبب خسائر اقتصادية فادحة

في الأثناء، تحدثت عدة تقارير عن ارتفاع كبير لأسعار النفط، في حال توتر الوضع في الممرات البحرية. ويُضيف العميد فيصل الحمد، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، أن إيران لا يمكنها إغلاق المضائق في المنطقة، لكنها ستسخدم أذرعها "للإيذاء وإيصال رسالة مفادها أننا موجودون هنا". أما واشنطن فلديها عديد الخيارات، من بينها اتباع نظام المرافقة للسفن التجارية.

سوا بودكاست - واشنطن