كريم مجدي
لا يزال الخلاف حول غاز البحر المتوسط قائما، إذ أدانت قبرص الاثنين ما وصفته بـ "اعتداء تركي" على حقوقها السيادية بعدما أرسلت أنقرة سفينة حفر للتنقيب عن النفط والغاز قبالة ساحل الجزيرة.
وأعلنت تركيا في مايو الماضي عزمها تنفيذ أعمال تنقيب عن الغاز في مياه البحر المتوسط التي تعتبر جزءا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بدولة قبرص، في خطوة أثارت انتقادات شديدة من قبل الاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
قبرص ليست الدولة الوحيدة التي لديها خلاف مع تركيا حول ثروة الغاز الطبيعي في المتوسط، فهناك أيضا اليونان ومصر التي لا تزال تتبادل التهديدات مع تركيا بخصوص أعمال التنقيب.
وكانت مصر قد أعادت ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط عام 2013، عقب ظهور اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي في منطقة المياه الاقتصادية بين مصر وقبرص.
ولا تسيطر الحكومة القبرصية المعترف بها دوليا سوى على القسم الجنوبي من الجزيرة الذي تصل مساحته إلى ثلثي مساحة البلاد، في حين أن المنطقة الشمالية تسيطر عليها تركيا منذ العام 1974 عندما تدخلت أنقرة عسكريا ردا على محاولة انقلاب فاشلة قام بها قبارصة يونان أرادوا ضم الجزيرة إلى اليونان.
تقع قبرص الخاضعة للإدارة التركية في الشمال، بينما تقع قبرص اليونانية في الجنوب.
من جانبها أصدرت الخارجية التركية بيانا قالت فيه إن أنقرة لا تعترف باتفاقات ترسيم الحدود البحرية بين الحكومة القبرصية ودول أخرى مجاورة في البحر المتوسط، كما أن لها حقوقا في منطقتها للجرف القاري.
وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قال في حديث سابق لوكالة "الأناضول" بأن بلاده "مصممة على حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي في شرق البحر المتوسط وبحر إيجه، والدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك بصفتها (تركيا) دولة ضامنة، وعدم السماح بفرض أمر واقع".
رغم ذلك، لا يتوقع الخبير في ملف الغاز في شرق البحر المتوسط بمركز الأهرام للدراسات، أحمد قنديل، أن يندلع خلاف عسكري بين أحد أعضاء الحلف الثلاثي المكون من مصر، وقبرص، واليونان، وبين تركيا.
ويرى قنديل أن تركيا تشعر أنها مهمشة حاليا من قبل تحالف إقليمي جديد آخذ في التشكل بالمنطقة، والذي يتمثل في منتدى غاز شرق المتوسط الذي اجتمع في القاهرة خلال يناير الماضي.
ومنتدى غاز شرق المتوسط، هو منظمة دولية تهدف إلى إنشاء سوق غاز إقليمية في منطقة شرق البحر المتوسط، لخدمة مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.
ويتكون المنتدى من سبعة دول هم،مصر، وإيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، ويقع مقر المنتدى في القاهرة.
"هناك إجماع دولي على رفض التحركات التركية لأنها لا تستند لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك روسيا رغم وجود تقارب بينها وبين أنقرة خلال الفترة الأخيرة"، يضيف قنديل لموقع الحرة.
الدكتور مساعد عبد العاطي شتيوي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي، أشار في منشور له إلى أن تركيا من الدول غير المنضمة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومن ثمة فهي في وضعية قانونية ضعيفة في مواجهة مصر وقبرص.
وأبرمت مصر وقبرص اتفاقيتين في عام 2003 و2013 لتعيين الحدود البحرية بينهما علي أساس قاعدة خط المنتصف الذي ينصف المسافة البحرية بين البلدين كونها أقل من 400 ميل بحري، وذلك في ضوء قواعد القانون الدولي وتم تسجيلها وفقا لنص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة لدي الأمانة العامة للأمم المتحدة.
الباحث والصحافي في الشؤون المصرية اليونانية سامح اللبودي يقول لموقع الحرة، إنها "ليست هذه المرة الأولى التي تعلن تركيا التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية القبرصية، فخلال السنوات الخمس الماضية كررت أنقرة إعلانها دون تنفيذ على أرض الواقع".
"الأزمة هنا أن مصر وقعت اتفاقية مع قبرص، وبذلك في حال تنقيب تركيا عن الغاز في المنطقة الاقتصادية لقبرص الجنوبية، فإنها بذلك تعتدي على المنطقة الاقتصادية لمصر بموجب الاتفاقية التي وقعتها الثلاثي"، يشرح اللبودي.
ولفت اللبودي إلى أن الرأي العام اليوناني يميل إلى عدم التدخل في الأزمة الحالية لأنها ليست طرفا مباشرا، فيما دعا كتاب يونانيون إلى ترك تركيا تواجه مصر وإسرائيل دون تدخل من أثينا.
على الناحية الأخرى، يرى الأكاديمي التركي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول د. أحمد أويصال، أن لتركيا حق أصيل في التنقيب كما تشاء في منطقة قبرص التركية على اعتبار خضوعها للسيادة التركية، وليس لأي دولة دخل في هذا سواء مصر أو قبرص اليونانية.
وأضاف أويصال أن "تركيا ليست لديها مشكلة كبيرة مع القاهرة رغم التصريحات المتبادلة، إلا أن أنقرة ليست سعيدة بالمحور الذي يجمع مصر، وإسرائيل، وقبرص، واليونان."
رغم ذلك، يستبعد أويصال أن تندلع حرب بين مصر وحلفائها وبين تركيا، إذ تحتاج كل من مصر وإسرائيل إلى تركيا حتى تستطيع نقل الغاز إلى أوروبا، حسب الأكاديمي التركي.