أمازيغ ليبيا (أرشيف)
أمازيغ ليبيا (أرشيف)

أضاءت "ثورة الـ17 من فبراير 2011 " في أذهان أمازيغ ليبيا شعلة الأمل ببداية مرحلة جديدة تنهي عقودا من "التهميش" الثقافي واللغوي "قزمت" مكانتهم.

لكن بعد أربع سنوات من سقوط القذافي، يشتكي أمازيغ ليبيا من "محاولة تهميشهم من جديد"، ما دفع نوابا أمازيغ إلى الانسحاب من المؤتمر الوطني العام.

وقد بلغ "التذمر الأمازيغي" ذروته حين أعلن ممثلون عن المناطق التي تسكنها أغلبية أمازيغية في منتصف كانون الثاني/ يناير 2013 "المجلس الأعلى للأمازيغ" ليكون كيانا يمثلهم.

وكان الهدف الأساسي من هذا المجلس هو الدفاع عن حقوق هذه الأقلية، في ظل اتهامات للقائمين على المرحلة الانتقالية بتهميشهم، ومحاولة التأسيس لمرحلة جديدة من "عدم الاعتراف" بالمكون الأمازيغي.

الأمازيغ: نريد اعترافا

تُقدر نسبة الأمازيغ في ليبيا بـ10 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم ستة ملايين ونصف المليون. وعلى عكس العرب الذين يمثلون الأغلبية، فإن الوجود الأمازيغي في ليبيا يعود إلى أزيد من أربعة آلاف سنة.

ولكونهم أقلية، فقد "همشهم نظام القذافي إلى درجة منع الحديث باللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية وحظر الأسماء الأمازيغية"، حسب نشطاء تحدثوا لموقع "راديو سوا".

واليوم، يطالب الأمازيغ بحقوق ثقافية ولغوية من خلال جعل لغتهم رسمية في البلاد والتأكيد على أن الهوية الأمازيغية رافد مهم في الهوية الليبية، كما لخص ذلك البيان الذي أعقب تأسيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا بداية 2013.

لكن الحقوق اللغوية والثقافية رغم تصدرها قائمة المطالب، إلا أنها ليست كل ما ينادي به الأمازيغ، إذ يدعون إلى "رد الاعتبار" للمذهب الإباضي والإقرار دستوريا بالحق في ممارسته.

 ويقول الكاتب العام للكونغرس العالمي الأمازيغي خالد الزراري، في حديث مع موقع "راديو سوا"، إن "الأمازيغية يجب أن تكون ركيزة من ركائز الدولة الليبية".

لكن الناشط السياسي الليبي جمال زوبية يرى أنه "من الصعب جعل اللغة الأمازيغية رسمية، لأن حتى بعض الأمازيغ أنفسهم لا يتقنون هذه اللغة".

ويضيف زوبية، في حديث مع موقع "راديو سوا"، أنه يقبل بجعل الأمازيغية لغة رسمية في مناطق يشكلون فيها أغلبية فقط.

انسحاب من البرلمان

شارك نواب أمازيغ في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي كلف تدبير المرحلة الانتقالية، لكنهم اشتكوا من إقصاء المؤتمر للهوية الأمازيغية.

وجاء، في بيان نشرته ثلاث هيئات تمثل الأمازيغ بتاريخ 17 تموز/ يوليو 2013، أن المؤتمر الوطني العام " أصر وبدون مبرر مقنع على رفض صيغة التوافق فيما يتعلق بالمواد التي تمس الأمازيغية".

ويبرر الزراري هذا الانسحاب قائلا "المؤتمر الوطني أراد حسم الأمور عن طريق التصويت، بينما كان النواب الأمازيغ قلائل وهذا يعني عدم تلبية مطالب الأمازيغ".

إلا أن زوبية يلوم من أسماهم "المتشددين الأمازيغ"، ويقول إنهم "انسحبوا بإرادتهم من لجنة صياغة الدستور وقاطعوا انتخابات 25 يونيو/ حزيران بإرادتهم".

ورفض ممثلو الأمازيغ أيضا المشاركة في انتخابات 25 حزيران/ يونيو 2014 التي أفرزت برلمان طبرق الحالي المعترف به دوليا، وفجرت نتائجها خلافا أدى إلى وجود حكومتين وبرلمانين متنازعين على السلطة.

السلاح يعقد الأمور

حين أطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر في 16 أيار/ مايو 2014 ما سمي بـ"عملية الكرامة"، أسست فصائل إسلامية قوات "فجر ليبيا"، وانضم إليها بعض الأمازيغ.

وقد شكل ذلك منعطفا جديدا بالنسبة لهذا المكون، الذين بات ينظر إليه كطرف في الصراع المسلح الدائر حاليا في البلاد.

ويرى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد أن "العامل الذي وتّر الأوضاع وتسبب في مزيد من التهميش للأمازيغ هو السلاح".

ويضيف عصيد "يجب ألا ننسى العامل الخارجي، فالتدخلات المصرية والقطرية والإماراتية تعقد وضعية الأمازيغ. هذه الدول لا تعترف بهم".

ويشدد الزراري، من جهته، على أن "الدخول في الصراع المسلح ليس في صالح الأمازيغ"، مضيفا أن انخراط بعضهم في القتال مع قوات "فجر ليبيا" خلف "تأثيرات سلبية داخل المكون الأمازيغي الذي كان يريد الحياد وبقي مسالما منذ الثورة".

المصدر: موقع "راديو سوا"

المزيد

الفدرالية في ليبيا
الفدرالية في ليبيا | Source: Courtesy Image

شكل إعلان برقة إقليما فدراليا من جانب واحد في السادس من آذار/ مارس 2012 أكبر صرخة لدعاة النظام الفدرالي في ليبيا.

ورغم أن هذا القرار، الذي اتخذه رئيس المجلس المحلي لإقليم برقة أحمد الزبير السنوسي، لم يطبق على أرض الواقع، إلا أنه أكد جدية الأصوات التي تنادي بتبني نظام فدرالي في البلاد.

ولم تمنع الانتقادات البعض من الإقرار بضرورة إيجاد صيغة ما للتخلص من المركزية، والتنازل عن بعض السلطات لتمكين الأقاليم من تسيير أمورها المحلية دون الرجوع إلى طرابلس.

لماذا الفيدرالية؟

لم تكد "ثورة الـ17 من فبراير 2011" تنهي حكم العقيد معمر القذافي، حتى كان الليبيون منقسمين بشكل كبير حول شكل النظام الذي يجب أن يحكم ليبيا ما بعد القذافي.

شارك برأيك:​

​​

وكان المقترح، الذي طُرح بشدة، هو العودة إلى نظام فدرالي يجعل البلاد ثلاثة أقاليم هي برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب.

بيد أن الدعوة إلى نظام فدرالي واجهتها أصوات معارضة وأخرى متخوفة من أن تكون بداية لتقسيم ليبيا.

ورغم أن ليبيا عاشت سنوات من الفيدرالية خلال حكم الملك إدريس السنوسي (1951 – 1669)، إلا أن الانتقادات لدعاة الفدرالية وصلت حد "التخوين".

وفي هذا السياق، يقول عضو مجلس النواب في طبرق أبو بكر بعيرة إن "الناس تخوفوا من الفدرالية كثيرا في البداية، والمعارضون لهذا المشروع وضعوا في أذهان المواطنين أنها مرادفة للتقسيم، بالتالي أصبح القبول بها ضعيفا".

ويضيف بعيرة في حديث مع موقع "راديو سوا" أن "الدعوة إلى الفدرالية جاءت بسبب تمركز المؤسسات المهمة في العاصمة، ما يخلق نوعا من الصعوبات للمواطن الليبي في مناطق بعيدة".

وليبيا دولة مترامية الأطراف تعادل مساحتها فرنسا ثلاث مرات، بينما يقارب عدد سكانها بالكاد ستة ملايين ونصف نسمة.

هل تنهي التهميش؟

ويرى الكاتب الليبي محمد حميد الجارح أن الفدرالية ليست هدفا في حد ذاتها عند سكان المناطق الشرقية، "وإنما هي وسيلة لإنهاء التهميش ومطالبة بتخفيف الحكم المركزي الذي يجعل كل السلطات في طرابلس".

ويضيف الجارح أنه في حالة المساواة بين برقة وطرابلس في التمثيل السياسي في المؤتمر التأسيسي وبعد ذلك في البرلمان، "فلا حاجة لبرقة للمطالبة بالفدرالية لأنه في تلك الحالة يصبح لأهل برقة صوت فعال ومسموع في المشهد السياسي الليبي يضمن لهم حقوقهم ويمنع عودة التهميش".

وفي الواقع، فإن التوزيع الجغرافي والسكاني في ليبيا يؤجج الخلاف بين الليبيين حول مشروع الفدرالية. فمن حيث التقسيم السكاني، فإن حوالي 80 في المئة من السكان يتركزون في المناطق الغربية والجنوبية أي طرابلس بالأساس ثم فزان، في حين أن برقة في الشرق يسكنها عدد قليل من الليبيين، لكنها في المقابل تضم الجزء الأكبر من الثروة النفطية التي تعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد.

وقد كرس هذا التوزيع السكاني على مدى عقود من الزمن مركزية كبيرة للسلطة في العاصمة طرابلس. وكانت تلك المركزية عاملا أساسيا في المطالبة بنظام فدرالي.

ويعتقد الكاتب الليبي علي أبو السعود، في مقال نشره على موقع "عين ليبيا"، أنه "لا يمكن تطبيق اللامركزية الحقيقة خارج نطاق النظام الفدرالي".

مخاوف من الانفصال 

يتحدث الناشط السياسي الليبي من البريقة محمد صالح العبيدي عن "محاولات للتقسيم بعد ثورة 17 فبراير". ويوضح في حديث مع موقع "راديو سوا" أن "النظام الفدرالي طُرح ليكون بمثابة ضربة استباقية لمساعي التقسيم. نحن نريد دولة واحدة ورئيسا واحدا وعلما واحدا ولن يتأتى ذلك إلا بالنظام الفدرالي".

ويشدد العبيدي على أنه "إذا لم يكن هناك نظام فدرالي فستكون ليبيا مقسمة وبالتالي، فالبديل لتجنب الانقسام هو تبني هذا النظام".

ويحذر الجارح، من جهته، من تجاهل الأصوات المطالبة بتمثيل يضمن عدم تهميش المنطقة الشرقية.

لكن بعيرة يرى أن المقومات المطلوبة لإقامة نظام فدرالي قد لا تكون قائمة في ليبيا في الوقت الراهن نظرا إلى أن "جميع الأنظمة الفدرالية تتوفر على إدارة جيدة وقوية وهذا غير موجود في ليبيا حاليا".

ويضيف بعيرة "من العيوب أن الفدرالية تحتاج إلى إدارة حسنة وقوية تستطيع أن توازن بين ما يطبق فدراليا وما يجب الحفاظ عليه تحت وصاية السلطة المركزية، وليبيا قد لا تكون قادرة على تحقيق هذا التوازن".

ويقر العبيدي بوجود سلبيات في الحكم الفدرالي بالنسبة للحالة الليبية، لكنه يعتبر أنها "لن تكون سلبيات كبيرة".

وتحاول ليبيا، منذ أزيد من سنتين، الخروج بدستور يتضمن شكل النظام الذي سيحكم البلاد، إلا أن الخلاف حول تمركز السلطات في العاصمة من جهة، وصعوبة هضم النظام الفدرالي من جهة أخرى، يعقدان مساعي إقرار أول دستور لليبيا ما بعد القذافي.

المصدر: موقع "راديو سوا"