تسلمت مصر قيادة القوة البحرية المشتركة التي شكلتها الولايات المتحدة، العام الماضي، بمشاركة دول عربية، منها الأردن والسعودية، وأوكلتها مهمة حماية المنطقة البحرية الممتدة من قناة السويس إلى مضيق باب المندب، ومكافحة القرصنة، ومكافحة الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة.
وعلى الرغم أن القوة البحرية المعروفة ايجازا باسم "سي تي أف 153" تعمل تحت مظلة القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، التي تغطي الشرق الأوسط بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل، إلا أن إسرائيل ظلّت خارج القوة البحرية المشتركة لتفادي إثارة الحساسيات مع بعض الدول العربية.
والقوة المشتركة لا تعني اندماج القوى البحرية لهذه الدول، بل تعني التنسيق بينها وفق المساحة التي تنشط فيها بجوار شواطئها ومياهها الإقليمية. والتعاون هنا يضاعف فاعلية كل منها، لا في تغطية مساحة بحرية فحسب، بل في تبادل الخبرات والاستعانة بتقنيات تتمتع بها بعض الدول دون نظيراتها.
المنطق يقول طالما أن الهدف مشترك بين مصر السعودية والأردن والسودان وإسرائيل، وكلها دول متحالفة مع الولايات المتحدة، وهو هدف يقضي بمكافحة الإرهاب والتهريب والحفاظ على استقرار الأمن وحرية الملاحة البحرية وأمن السفن التجارية، فلا سبب لاستثناء إسرائيل وعدم مشاركتها في "سي تي أف 153".
ويشير زميلاي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، برادلي بومان، وريان بروبسب، إلى أن القوة المشتركة الحالية أدت إلى زيادة ملحوظة في عدد الشحنات غير المشروعة التي تم ضبطها، بما في ذلك ضبط 2.5 طن من المخدرات، توازي قيمتها 20 مليون دولار، عثرت القوة عليها في قارب صيد، في خليج عدن، في شهر نوفمبر.
وبشكل غير مباشر، تقوم هذه القوة بمواجهة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وضبط سفنها التي ترسلها محملة بالأسلحة، بما فيها المسيرات المفخخة والصواريخ الباليستية.
إذاً، هناك تطابق في المصالح بين هذه الدول العربية من ناحية، وفي طليعتها السعودية، وإسرائيل، من ناحية ثانية، خصوصا في حقل مكافحة تسليح طهران للميليشيات الموالية لها، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحماس في غزة، وهو ما يملي على الدول التي تسعى لحفظ الأمن والاستقرار التنسيق والتعاون.
ويخبرني بومان أن "البحرية الإسرائيلية هي واحدة من أكثر القوات البحرية قدرة في المنطقة"، وأن لديها "قاعدة بحرية في إيلات تقع على خليج العقبة في البحر الأحمر". ويتابع الخبير العسكري القول: "تضم البحرية الإسرائيلية سفنا مسلحة بصواريخ، وطرادات، وسفن إمداد، وغواصات، وكثير منها مزود بأجهزة استشعار متطورة ومدعومة بمسيّرات ومقاتلات". كما تشمل الأصول البحرية الإسرائيلية "العشرات من زوارق الدوريات التي تديرها أطقم من ذوي الخبرة في الكشف عن عمليات التهريب واعتراضها، خصوصا العمليات التي يقوم بها الموالون لإيران".
ويعتقد بومان أنه من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، من غير المفهوم بقاء إسرائيل خارج القوة البحرية العربية التي تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة لحماية حرية الملاحة وضبط الأمن والتجارة غير الشرعية في البحر الأحمر.
والسياسات مصالح، والمصالح تتغير، ومعها تتغير السياسات.
يوم أقر العرب سياسة مقاطعة إسرائيل في جامعة الدول العربية، لم يكن هدفهم الانخراط في صراع أجيال مع إسرائيل على أثر فشلهم في القضاء عليها، بعد إعلانها الاستقلال في 1948. كان هدف المقاطعة محاصرة وتجويع الكيان الإسرائيلي اليافع بهدف تقويضه واستبداله بدولة فلسطينية في غضون أشهر.
لكن بعد 75 عاما، ثبت أن لا جدوى للمقاطعة، وأن إسرائيل استعاضت عن التعامل مع العرب اقتصاديا ببنائها اقتصادا أكثر فاعلية من الاقتصادات العربية، وهو اقتصاد مبني على المعرفة، ويتمتع بعلاقات مع أكثر من 150 دولة حول العالم تتسابق لشراء التقنيات الإسرائيلية.
وبعد 75 عاما، تبيّن أن إسرائيل لا تهدف لتقويض الحكومات العربية، ولا لزعزعة استقرارها، بل أن استقرار هذه الدول من مصلحة إسرائيل، لأن الاهتزاز ينعكس على إسرائيل، وكذلك الاستقرار تنعم به هي كغيرها.
وبعد 75 عاما أيضا، صار جليا أن دولة واحدة وحيدة في الإقليم — يحكمها أناس ذوي مخيلة خرافية تؤمن بضرورة نشر الفوضى تحت اسم "نشر الثورة" — هي المسؤولة عن البؤس والشقاء في الإقليم. إيران الإسلامية، التي تسعى لنشر ثورتها منذ العام 1979، لم تنشر غير الخراب والدمار، ولم تحصد غير الانهيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، داخل إيران كما في الدول العربية التي يهيمن عليها نظام الملالي في العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، بالإضافة إلى قطاع غزة.
وصار جليا اليوم أن إسرائيل هي من تعمل لتعزيز القوانين المحلية والدولية والاستقرار الإقليمي، ومنع تجارة السلاح والمخدرات، وأن إيران والحكومات المارقة المتحالفة معها هي التي تسعى لنشر الميليشيات والحرب والسلاح والفوضى، وأنها تقوم غالبا بتمويل ذلك بالاتجار بكل ما هو غير مشروع، من المخدرات إلى الممنوعات الأخرى.
لا بأس في أن ينحاز العرب للفلسطينيين، لكن الانحياز في المواقف السياسية والدبلوماسية شيء، ومراعاة المصالح القومية والسعي لاستقرار الإقليم، وتأمين حرية الملاحة والتجارة والعيش، شيء آخر، وهو ما يتطلب تجاوز مشاعر العداء الماضي بين العرب وإسرائيل والنظر بواقعية إلى المستقبل، وإلى إمكانيات السلام وبناء علاقة تعود بالنفع على الجانبين.
والاستقرار ضروري حتى تنمو اقتصادات العرب، وحتى يتوقف النزيف البشري الهائل، وهجرة العقول والأدمغة التي يعاني منها الفلسطينيون قبل غيرهم، يليهم مواطنو دول محور الممانعة والبؤس، الذي تقوده إيران وربعها من العرب.
فلتنخرط إسرائيل في قوة البحر الأحمر المسماة "سي تي أف 153"، ولتدرك إيران أنه فيما ينفتح الإقليم على بعضه البعض، تغرق هي أكثر في عزلتها وشقائها وبؤسها، إلى أن يعود حكامها إلى رشدهم، أو لا تعود إيران حتى يرحلون.